الاستقرار السياسي في السودان

 

*عثمان يوسف خليل

هناك سؤال ظل عالقًا بذهني منذ وقت طويل، يؤرقني كثيرًا: لماذا لم يُكتب لأهل السودان أن ينعموا بحلاوة الاستقرار السياسي والاجتماعي منذ بداية تكوين الدولة السودانية الحديثة في منتصف القرن التاسع عشر؟.. فأين يا ترى تقبع المعضلة؟ أم هل الذين خططوا لتأسيس هذه الدولة وحدّدوا حدودها الجغرافية تعمدوا زرع بذور الفتنة والفرقة؟ أم أن ما حدث كان صدفة؟ فالسودان دولة مترامية الأطراف، حديثة بمقاييس تلك الفترة، ومع ذلك ظلّت تعاني من أزمات متتالية لم تجد حلولًا جذرية حتى اليوم.

صحيح أن بعض النخب المتعلمة حاولت طرح رؤى للإصلاح، لكن هل يمكن الجزم بأنهم سينجحون؟ في تقديري، أحد أسباب فشل هذه النخب هو ترفعها عن التواصل المباشر مع المواطنين، وعجزها عن فهم آرائهم وهمومهم. ومع ذلك، يُحسب لهم أنهم يحاولون التفكير في إعادة تأسيس الدولة المدنية التي نادى بها جيل ثورة ديسمبر. لكن السؤال يظل قائمًا: هل سينجحون؟ أم أن عقبة الاختلاف ستقف في طريقهم؟

أين تكمن العقبات؟

  1. الشخصية السودانية:

يُقال، وأنا اتفق مع هذا، أن العناد والعنجهية من سمات الشخصية السودانية، وشخص بهذا الوصف لا يمكن تغييره بسهولة. ولكن، أليس هذا التعميم فيه شيء من الظلم؟ ربما يكون العناد انعكاسًا طبيعيًا لظروف القهر السياسي والاجتماعي التي عانى منها السودانيون لعقود طويلة.

  1. الجهل بنوعيه:

* التعليمي الأكاديمي: نقص التعليم يؤدي إلى ضعف الوعي السياسي، ما يُسهّل التلاعب بالعقول وتأجيج النزاعات.

* السلوكي: يتمثل في غياب ثقافة الحوار، والتعصب للرأي، وعدم تقبّل الآخر.

  1. الهوية والانتماء:

السودان بلد متعدد الأعراق والثقافات، لكن بدلًا من أن يُشكّل هذا التنوع مصدر قوة، أصبح سببًا للصراع بسبب غياب مشروع وطني يُعزز الوحدة ويُحترم فيه الاختلاف.

ما الحل إذاً؟

هل الحلول السياسية يمكن أن تُحدث التغيير؟ أرى أن هذا مستبعد للأسباب التالية:

* الأحزاب والكيانات السياسية:

معظمها ذو طبيعة أيديولوجية أو عقائدية أو عرقية، تحكمها المصالح الضيقة وتلتف حول زعامات نافذة، ما يعيق أي عمل حزبي بالمعنى العلمي.

* الحلول التوافقية (الأجاويد):

تُستخدم هذه الآلية غالبًا عند النزاعات القبلية، وتعتمد على مبدأ “باركوها” والمحاباة. صحيح أنها قد توقف نزيف الدم مؤقتًا وتفرض دفع الديات، لكنها لا تعالج جذور المشكلة وتظل حلولًا وقتية.

* الحلول العسكرية:

جُرّبت ثلاث مرات في السودان، ولم ينتج عنها سوى المزيد من الحروب الأهلية والصراعات العرقية.

خلاصة:

جميع الحلول المطروحة، سواء السياسية أو التوافقية أو العسكرية، لم تؤدِّ سوى إلى معالجات سطحية أشبه بالمسكنات، تخفف الألم مؤقتًا لكنها لا تعالج المشكلة الأساسية.

لعل الحل الحقيقي يبدأ من:

* إعادة بناء الإنسان السوداني عبر التعليم، ونشر ثقافة التسامح والحوار.

* إصلاح المؤسسات لتكون خادمة للمواطن، لا أداة قمع أو تكريس للنفوذ.

* ابتكار صيغة جديدة لتقاسم السلطة والثروة تُراعي التنوع السوداني، بعيدًا عن المحاصصات الضيقة.

وأخيرًا، المستقبل لا يُبنى بالترقيع، بل بتغيير جذري يُعالج الجذور لا الأعراض. فهل نملك الشجاعة للمضي في هذا الطريق؟

يبدو لي أن هناك أسئلة كثيرة، والإجابات تظل معلّقة إلا يخرج علينا من هو أنجع منا ويضع لها الإجابات.

*المملكة المتحدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى