“زمزم”.. حينما يعيد التاريخ نفسه!

وائل محجوب

وائل محجوب

  • هاجمت قوات الدعم السريع الجمعة ١١ أبريل معسكر زمزم للنازحين، وخلف الهجوم عشرات القتلى والجرحى، بما في ذلك طواقم طبية أممية أجنبية كانت تقدم العون الطبي لنازحي المعسكر، في استمرار لمخالفة قرارات مجلس الأمن التي دعت لمرتين خلال العام ٢٠٢٤م لفك حصار الفاشر وعدم الهجوم على المدينة.
  • لقد اعتبرت الأمم المتحدة على لسان فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، في سبتمبر من العام الماضي “إن الهجوم على المدينة ومعسكرات النازحين بها مثل “أبو شوك وزمزم”، سيقود لفظائع وحملات انتقامية على أساس عرقي تشابه ما حدث بولاية جنوب دارفور إن لم تفقها بشاعة، نسبة لوجود أعداد كبيرة من المنتمين لقبائل الفور والزغاوة والمساليت، وهي ذات القبائل التي ينتمي إليها قادة الحركات المسلحة المساندة للقوات المسلحة”.
  • رفضت قوات الدعم السريع الانصياع للقرارات الدولية، حيث شنت ما يزيد على مائة هجوم عسكري على الفاشر تم التصدي لها بواسطة الجيش والقوات المشتركة، وعملت على قطع الطرق على المدينة من خلال مهاجمة مواقع متقدمة مثل المالحة وغيرها، استمرارًا لاستراتيجيتها الحربية الرامية للسيطرة على كامل ولايات دارفور، وفي سبيل التمهيد الحربي لخطوتها السياسية المؤجلة بإعلان حكومتها الموازية، واختارت ارتكاب المزيد من جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية بحق المدنيين في شمال دارفور، كرد اعتبار لقواتها المنسحبة من الخرطوم ووسط السودان، وهي ستواصل استهداف المدينة والمرافق المدنية ودفع السكان تحت وطأة الحصار المستمر لمغادرتها.
  • إن المأساة القديمة المتجددة لنازحي معسكر “زمزم”، هي الشاهد الأكبر على فداحة الأثمان الباهظة التي يدفعها أهل السودان، جراء هذه الحرب والحروب السابقة، فهذا المعسكر الذي يقع جنوب الفاشر، كان ملاذًا للفارين من فظائع الحرب التي اندلعت في دارفور في العام ٢٠٠٣م، وكان يضم ما يفوق نصف مليون من الناجين من المذابح البشعة التي تعرضت لها مختلف مناطق دارفور، على أيدي قوات حرس الحدود “الجنجويد” والطيران الحكومي وقتها.
  • لقد قادت فظاعات حرب دارفور “٢٠٠٣م” من قبل لتداعيات كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، وكانت نتيجتها صدور قرارات متوالية من مجلس الأمن الدولي لوقف الحرب باعتبارها تمثل تهديدًا للأمن والسلم الإقليمي والدولي، ومنها قرارات بمعاقبة مسؤولين واتخاذ تدابير بحقهم، وحظر لتوريد السلاح للقوى المصطرعة بدارفور، وتشكيل لجنة أممية للتحقيق حول جرائم الحرب بدارفور، التي خلصت في تقريرها إلى وجود أدلة مادية على وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بالإقليم، مما دفع مجلس الأمن لإحالة ملف القضية للمحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن القضاء السوداني غير قادر أو راغب في ملاحقة المتهمين الذين يتولى بعضهم مناصب عليا في الدولة، باشرت المحكمة تحقيقًا انتهى بتوجيه الاتهام لاثنين وخمسين مسؤولًا حكوميًا عسكريًا من الجيش والقوات النظامية وقوات حرس الحدود، وانتهت بملاحقة الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي لا يزال مطلوبًا للعدالة الدولية.
  • وبعد اندلاع الحرب في ١٥ أبريل ٢٠٢٣م، صار معسكر زمزم وغيره من المعسكرات مقصدًا لملايين النازحين، بعد هجوم الدعم السريع على ولايات دارفور الأربع واستيلاءه عليها، وها هي الحرب بكل بشاعاتها تحاصرهم من جديد، بلا أمل للفرار هذه المرة، وسط بطء وضعف من المجتمع الدولي عن إنفاذ قراراته، ووقف الكارثة المحتومة على سكان المعسكرات بشكل خاص وعلى شمال دارفور إجمالًا.

وائل محجوب

كاتب صحفي ومحلل سياسي معتمد لدى العديد من القنوات الفضائية العربية وله مساهمات نظرية في القوانين المنظمة لمهنة الاعلام، وقدم العديد من أوراق العمل والبحوث في محاصرة خطاب الكراهية وأخلاقيات مهنة الصحافة عمل مديرا لتحرير صحيفة الأيام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى