كيف تواجه كسلا أزمة العطش المتجذرة؟

 

أفق جديد

في أحياء مدينة كسلا شرقي السودان، وبين شوارعها الضيقة تقف فاطمة الفكي (42) عامًا في انتظار عربات الكارو التي تجرها الدواب لشراء مياه الشرب.

في فصل الصيف أصبح الحصول على المياه النظيفة الصالحة للشرب أزمة يومية لآلاف المواطنين في المدينة، بسبب تعطل محطات المياه عن العمل نتيجة لانقطاع الكهرباء ونقص الوقود إثر استهداف المسيرات الانتحارية لمحطات الكهرباء في البلاد.

وتسببت الهجمات التي شنتها قوات “الدعم السريع” باستخدام المسيرات الانتحارية مؤخرًا على محطة “الشواك” التحويلية للكهرباء بولاية القضارف، في انقطاع كامل للتيار الكهربائي عن ولاية كسلا.

تقول فاطمة لـ”أفق جديد”، إن “مدينة كسلا شهدت مؤخرًا أزمة حادة في توفر مياه الشرب، ما أدى إلى صعوبة الحياة في فصل الصيف.”

وأشارت إلى ارتفاع سعر برميل المياه ليصل إلى 10 آلاف جنيه سوداني، وأرجعت الزيادة إلى ندرة المياه من مصادرها الرئيسية، وانقطاع الكهرباء المستمر الذي أثر بشكل مباشر على تشغيل محطات المياه.

تحولت أزمة المياه في كسلا إلى كارثة إنسانية متفاقمة. الأسر في كسلا وضواحيها تعتمد بشكل شبه كُلي على مياه الآبار المالحة (المضخات)، بينما تضطر النساء والأطفال للسير لمسافات طويلة من أجل الحصول على بضعة لترات من مياه الشرب توفرها منظمات الإغاثة الدولية.

مع تصاعد الأزمة لجأت بعض العائلات إلى حلول بديلة مثل إنشاء محطات تحلية بدائية تعمل بالطاقة الشمسية، في محاولة لإنتاج كميات محدودة من المياه الصالحة للشرب، كما لجأ بعض السكان إلى استخدام مياه الأمطار المخزونة في الأحواض الكبيرة بعد تنقيتها من الشوائب رغم مخاطر التلوث.

من جهته يقول المواطن عيسى عبد الله، (34) عامًا، إن أسعار برميل المياه في كسلا يتفاوت بين أحياء المدينة، إذ يصل إلى 9 آلاف جنيه في حي “شمال الحلنقة القديمة و10 آلاف جنيه في حي “المربعات”، بينما يبلغ 8 آلاف جنيه في حي “العرب” غرب نهر القاش.

وأوضح عبد الله في حديثه لـ”أفق جديد”، أن تعبئة برميل المياه من مصادرها الرئيسة البعيدة لا يتجاوز 3 آلاف جنيه، إلا أن تكلفة النقل تضاعف السعر بشكل كبير.

وأضاف، “مشهد التناكر المُعبأة بالمياه التي تتجول داخل الأحياء السكنية أصبح أمرًا مألوفًا، لكن الأسعار غالية.”

من جانبها تقول المواطن سوسن عبد العزيز، (55) عامًا، إن المواطنين يصطفون في طوابير طويلة أمام محطات المياه الشحيحة من أجل الحصول على المياه النظيفة الصالحة للشرب.

وشددت سوسن في حديثها لـ”أفق جديد”، على ضرورة تدخل الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية لحل أزمة المياه وتخفيف المُعاناة عن كاهل المواطنين، وحل الأزمة التي يعيشونها يوميًا بشكل جذري.

أما المواطن، خالد عبد الباقي (32) عامًا، فيقول إن الوضع في مدينة كسلا سيء للغاية بسبب شح المياه وغلاء أسعارها في فصل الصيف، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية.

وذكر عبد الباقي الذي يسكن حي “العُمال”، في حديثه لـ”أفق جديد”، أن الحياة صعبة للغاية في مدينة كسلا في ظل انعدام المياه وغلاء أسعارها.

وأضاف، “على السلطات الحكومية إيجاد حلول عاجلة لمعالجة أزمة المياه. نقص الخدمات الضرورية كمياه الشرب أصبح السمة الأبرز في المدينة.”

وتابع، “أعدّت منظمة (جايكا) دراسة سابقة بإنشاء خط أنابيب للمياه من خزان خشم القربة إلى مدينة كسلا، لكن حكومة الولاية تجاهلت الموضوع.”

 يُعتبر نهر “القاش” المورد المائي الرئيسي للمدينة ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بنشاطها الاقتصادي، ولكنه يشكل في الوقت نفسه خطرًا عليها من حيث الكميات الضخمة من المياه والطمي التي يجلبها النهر في موسم الأمطار وتحدث فيضانات دورية مدمرة.

وقد تعرضت المدينة لكارثة طبيعية كبيرة في عام 2003، عندما فاضت مياه نهر القاش على نحو شبهه البعض بالطوفان لتسببه في تدمير نصف أبنية المدينة وبنيتها الأساسية تقريبًا، خاصة في أحياء الحلنقة وامتداداتها الكبيرة حتى أقصى شمال المدينة، وحي الميرغنية وأجزاء من منطقة غرب القاش، بالإضافة إلى وسط المدينة حيث تتركز الدواوين الحكومية والسوق الكبيرة، ولكن كان لهذا الفيضان القدح المعلى في تغيير ملامح المدينة، إذ تمت إعادة تشييد الأحياء المتضررة بطرق حديثة استخدمت فيها مواد الأسمنت المسلح الثابتة بدلًا من مواد البناء المحلية التي كانت تستخدم سابقًا كالقش وفروع الأشجار والطين.

تاريخيًا، تتكون كسلا من ثلاثة أحياء رئيسية كبيرة هي: “حي الختمية، الميرغنية، والحلنقة”، ويشكل كل من هذه الأحياء تجمعًا سكنيًا يتكون من عدة أحياء أخرى صغيرة وحارات، إلى جانب أحياء وامتدادات جديدة. تشمل “حلة المقام، حلة كراي، حلة سلامة سيدي، حلة القوازة، حلة الضريح، حلة اليماني، حي قرع، حي الرشيد، حي تسعجي، حلة الدومات، حي العامرية، حي الشهيد تاج السر علي حمد، حي السوريبا، الحلنقة الوسط، الحلنقة شمال، البرنو، بير ياي، حي المدارس، اشلاق السجون، اشلاق الجيش، حلة جديد، حلة الهنود، حي غرب القاش.

إلى جانب هذه الأحياء توجد أخرى منها: أبو خمسة، الثورة، الشعبية، مكرام، قصب، المربعات، توتيل، السواقي الشمالية، الكرمتة، حي السكة حديد، حي العمال، حي العرب، حي مستورة.

وأفاد الناشط في العمل الطوعي، أنس النعيم، أن أحياء مدينة كسلا تُعاني بسبب العطش، والمواطن لا يستطيع تسيير حياته اليومية نتيجة انخفاض منسوب المياه الجوفي في المنطقة.

وذكر النعيم في حديثه لـ”أفق جديد”، “أن سبب أزمة المياه يعود إلى انخفاض منسوب المياه في حوضي كسلا والجمام اللذين يمثلان المصدرين الرئيسيين لمياه المدينة.”

وأضاف، “مشكلة مياه الشرب بمدينة كسلا أزمة قديمة متجددة، ما أدى إلى تزايد الضغوط على المواطنين داخل الأحياء في المنطقة.”

وأرجع نائب مدير هيئة مياه الشرب بولاية كسلا، المهندس عصام الدين خوجلي، أزمة مياه الشرب إلى قطوعات الكهرباء مع دخول فصل الصيف، حيث تعاني الولاية من قطوعات متواصلة تتجاوز الـ17 ساعة في اليوم.

وقال خوجلي في حديثه لـ”أفق جديد”، إن “مشكلة انقطاع الكهرباء في الآبار المتفرقة على الأحياء تؤثر على ضح المياه في الخزان الذي يغذي المدينة.

وأشار إلى وجود ما يقارب الـ100 بئر موزعة على الضفتين الشرقية والغربية، أسهمت في انفراج بسيط في الأزمة حاليًا، سيما وأن القطوعات تحسنت بنسبة 50% بعد أن كانت بنسبة 30 في الأيام الماضية، وصيانة أعطاب بعض الآبار التي تعطلت مؤخرًا.

وأوضح خوجلي أن هناك أسبابًا أخرى تتعلق بضعف إنتاجية بعض الآبار ما يفاقم الأزمة، وكشف عن خطة لمعالجة القضية، بحفر آبار جديدة في المرحلة المقبلة، وتأهيل القديمة، والاتجاه للعمل بالطاقة الشمسية بجانب الكهرباء، للمساهمة في تقليل التكلفة المالية.

وأكد أن الحوض الوفي لمدينة كسلا كافٍ جدًا، لكنه أقر بوجود بعض المشاكل في بعض خطوط إمداد المياه في الأحياء السكنية.

في الأثناء قال مسؤول بحكومة ولاية كسلا، إن الولاية وضعت دراسات لإيجاد حل جذري لمشكلة المياه في الولاية عبر منح تبلغ 100 مليون دولار.

وقال المصدر الحكومي الذي فضل حجب هويته كونه غير مخول بالتصريح لأجهزة الإعلام، لـ”أفق جديد”، إن أولوية الحكومة توفير الخدمات الضرورية للمواطنين، خاصة توفير إمدادات الكهرباء والمياه وتأهيل المستشفيات.

وسبق أن ذكرت هيئة مياه الشرب في ولاية كسلا أن منسوب المياه بمحطة “أويتلا” نقص بصورة عالية، خاصة وأن إنتاجية المحطة لا تتعدى 45 من الإنتاج الكُلي، وأرجعت الأسباب إلى أن كمية المياه المُنتجة من الآبار لا تكفي القدرة التصميمية التي تبلغ 18000 متر مكعب والمنتج الحالي 8400 متر مكعب، والفاقد 9600 متر مكعب.

وأشارت الهيئة إلى وجود نقص حاد بكمية المياه التي تعبر إلى المحطة، ما تسبب في عطش عام بالمدينة، ووجهت حكومة الولاية بحفر 13 بئرًا لتغذية المحطة.

وفي ظل استمرار شح المياه في مدينة كسلا تبقى الحلول الآنية مجرد محاولات مؤقتة لمواجهة الأزمة، ومع ذلك فإن غياب الحل الجذري لإنهاء المُعاناة اليومية يعني كارثة إنسانية طويلة الأمد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى