إعطاء الأولوية للمدنيين في الاستجابة لحرب السودان
بقلم: روزاليند مارسدن
29 أبريل 2025 –
المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)
تميل التغطية الإعلامية الدولية لحرب السودان إلى التركيز على الأطراف المتحاربة، متجاهلة الدور المهم الذي يلعبه المدنيون. ومع ذلك، فالحرب ليست مجرد صراع على السلطة بين جنرالين طموحين، هما الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية (SAF)، والفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع (RSF). إنها في جوهرها حرب مضادة للثورة تستهدف المدنيين وتطلعاتهم نحو الحكم الديمقراطي.
لقد عمّقت الحرب الانقسام في المجتمع السوداني، حيث انقسم المدنيون بين مؤيدين للقوات المسلحة، ومؤيدين للدعم السريع، وآخرين يرفضون الطرفين ويدعمون حملة “لا للحرب”. كلا الطرفين المتحاربين حاولا استخدام المدنيين لخدمة روايتهما حول طبيعة الحرب. ترى SAF أنها حرب كرامة بين “الجيش الوطني” و”ميليشيا إرهابية متمردة”، بالإضافة إلى كونها حرباً وطنية ضد الإمارات العربية المتحدة، التي تُتهم على نطاق واسع بدعم RSF. أما RSF فتصورها كحرب من أجل الديمقراطية ضد جيش يسيطر عليه الإسلاميون المتشددون، وكحرب ضد الدولة المركزية التي تشكلت منذ استقلال السودان عام 1956، والتي همشت الأطراف لصالح الخرطوم.
أما المعارضون للحرب، فيرون أنها حرب مضادة للثورة يقودها عناصر النظام السابق، الذين يسعون للعودة إلى السلطة. ويؤكدون أن القوات المسلحة والدعم السريع كليهما من بقايا النظام السابق: فالأولى سُيّست عبر ترقية الإسلاميين، والثانية نشأت من ميليشيا الجنجويد كقوة لمكافحة التمرد تحت سيطرة الجيش، ومُنحت ترخيصاً لارتكاب الفظائع ذاتها التي تُرتكب اليوم. كما أن المجلس العسكري الانتقالي، الذي كان يضم الطرفين، حاول سحق ثورة 2018-2019 بإصداره أوامر بفض اعتصام القيادة العامة بعنف في 3 يونيو 2019. ثم أنهيا المرحلة الانتقالية الديمقراطية بإطاحتهما بالحكومة المدنية لعبد الله حمدوك في أكتوبر 2021. ويقف الإسلاميون المتشددون، مثل علي كرتي، زعيم الحركة الإسلامية السودانية، خلف SAF، ويدعون لمواصلة الحرب، بينما توجد أيضاً شخصيات من النظام السابق ضمن صفوف الدعم السريع.
حرب ضد المدنيين
خلّفت الحرب واحدة من أسوأ أزمات الجوع والنزوح والحماية في العالم. قُتل عشرات، وربما مئات الآلاف، ويُعاني الكثيرون من أمراض ومشاكل صحية يمكن تجنبها بسبب نقص الأدوية وسوء التغذية وتدمير 80% من المنشآت الصحية في مناطق النزاع. نزح أكثر من 12.5 مليون شخص – من أصل 47 مليوناً قبل الحرب – منهم 8.6 مليون داخل السودان و3.8 مليون إلى دول الجوار. 25 مليون سوداني يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، و637 ألفاً يواجهون مجاعة فعلية، في حين تعاني 10 مناطق بالفعل من المجاعة. بحسب بعثة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة، فإن القوات المسلحة والدعم السريع، إلى جانب الميليشيات المتحالفة معهما، ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
تأثرت النساء والأطفال بشكل غير متناسب. فقد تعرضت النساء لـ عنف جنسي مروّع مرتبط بالنزاع مثل الاغتصاب الجماعي والاختفاء القسري، خصوصاً على يد RSF وأحياناً SAF، بينما تم حرمان 17 مليون طفل من التعليم، وتعرضوا للزواج القسري وأشكال أخرى من الإساءة، بما في ذلك التجنيد القسري في الجماعات المسلحة.
الاستجابة الإنسانية الدولية كانت غير كافية، بسبب نقص التمويل، والعراقيل المفروضة على وصول المساعدات من قبل الطرفين. إغلاق USAID ترك أثراً بالغاً ليس فقط على استجابة الأمم المتحدة، بل أيضاً على المستجيبين المحليين مثل “غرف الطوارئ” ومجموعات المساعدة الذاتية، التي كانت تقدم وجبات مجانية وخدمات طبية في المجتمعات المحلية، لا سيما في المناطق التي لا تستطيع الأمم المتحدة الوصول إليها. 80% من مطابخ الطوارئ التابعة لغرف الطوارئ أُغلقت بالفعل بسبب تقليص دعم USAID. في هذا السياق، تطالب المنظمات الإنسانية بإعطاء الأولوية لدعم هذه المجموعات المحلية، نظراً لأنها الأفضل من حيث الوصول والفاعلية.
مدنيون مؤيدون للدعم السريع: “تأسيس” وخطر تفكك السودان
يحظى RSF بدعم كبير من القبائل العربية في دارفور وكردفان، لكنه عقد في فبراير تحالفاً تكتيكياً مع حركة عبد العزيز الحلو (SPLM-N) المدعومة من مجتمع النوبة، وحركتين مسلحتين أفريقيتين من دارفور. كما انضم مدنيون بارزون – معظمهم من غرب السودان – إلى “تحالف تأسيس السودان” أو “تأسيس”، الذي يخطط لتشكيل “حكومة سلام ووحدة” في المناطق التي يسيطر عليها RSF، ووقعوا ميثاقاً سياسياً ودستوراً انتقالياً يدعو لدولة علمانية ديمقراطية لا مركزية. في 15 أبريل، أعلن حميدتي دعمه لتشكيل هذه الحكومة، لكن لا تزال المشاورات الداخلية جارية حول توزيع المقاعد، ومن المتوقع إعلان الحكومة من داخل السودان. ويقول مؤيدو المبادرة إنها ستوفر بديلاً لسلطة بورتسودان، التي يرونها غير شرعية بعد انقلاب 2021، وتتيح لهم الوصول للمساعدات والأسواق والسلاح والاعتراف الدولي. لكن النقاد يرون أن شعارات الميثاق والدستور لا تتوافق مع الجرائم التي ترتكبها RSF. كما أن معظم الفاعلين الدوليين يعارضون بشدة إنشاء حكومات موازية، لما فيها من خطر على وحدة السودان وسلامة أراضيه.
مدنيون مؤيدون للجيش: خارطة طريق لترسيخ الحكم العسكري
يحتفل كثير من السودانيين بـ “تحرير” الجيش مؤخراً للخرطوم والجزيرة من سيطرة الدعم السريع، ليس حباً في الحكم العسكري، بل نتيجة الفظائع التي ارتكبتها RSF وخسارتهم لأحبائهم. عشرات الآلاف في وسط وشمال وشرق السودان، بمن فيهم بعض الثوار السابقين، انضموا إلى ما يُعرف بـ”المقاومة الشعبية”، وشكلوا مجموعات دفاع مدني مسلحة من SAF للدفاع ضد RSF. لكن استعادة الجيش للأراضي شابها إعدامات ميدانية بحق من يُشتبه بتعاونهم مع RSF، واستهدفت الإعدامات أشخاصاً على أساس عرقي من غرب وجنوب السودان.
ورداً على تحدي “تأسيس”، حاول البرهان تشكيل جبهة سياسية خاصة به، تضم “الكتلة الديمقراطية” – وهي تحالف من الحركات الدارفورية الموالية للجيش وأحزاب شاركت في انقلاب 2021 وعارضت اتفاق 2022 – إضافة إلى أحزاب كانت متحالفة مع حزب المؤتمر الوطني خلال عهد البشير. في 9 فبراير، أعلنت وزارة الخارجية، بعد التشاور مع هذا التحالف، عن خارطة طريق تشمل إطلاق “حوار وطني شامل” وتشكيل حكومة تكنوقراط، وتسمية رئيس وزراء مدني. لكن سلطات بورتسودان نشرت لاحقاً تعديلات دستورية توسع صلاحيات المجلس السيادي وتمنحه حق تعيين وعزل رئيس الوزراء وكبار المسؤولين، ما يعزز الحكم العسكري ويقوّض آمال الانتقال المدني الديمقراطي.
حركة الديمقراطية: من العمل القاعدي إلى جبهة مدنية واسعة
رغم كل شيء، فإن روح الثورة ما تزال حيّة، خصوصاً بين الشباب والنساء. فقد نال العالم إعجابه بشجاعة شباب وشابات السودان الذين قادوا الاحتجاجات السلمية في 2018-2019 التي أسقطت ديكتاتورية البشير العسكرية-الإسلامية التي استمرت 30 عاماً. ومنذ بداية الحرب، وقفت مجموعات نسائية ونشطاء ضدها، رغم حملات التشويه، حتى في الخارج. كما عملوا على بناء السلام المحلي، وتقديم الدعم الطبي والنفسي لضحايا العنف الجنسي.
والكثير من شباب لجان المقاومة صاروا الآن متطوعين في غرف الطوارئ ومبادرات أخرى، يخاطرون بحياتهم لخدمة مجتمعاتهم. وهذه المجموعات – التي رُشحت عن جدارة لجائزة نوبل للسلام – هم أبطال الحرب المجهولون، يحافظون على قيم الثورة ونسيج المجتمع السوداني، ويمكن أن يلعبوا دوراً محورياً في المصالحة وإعادة البناء، خصوصاً في الحكم المحلي.
في الوقت نفسه، يحتاج السودان إلى بديل وطني للطرفين المتحاربين وأنصارهما – جسماً مدنياً واسعاً وذو مصداقية يقدم رؤية للسلام ويدعو لوقف الحرب ويكون نقطة تواصل للمجتمع الدولي. أول تحالف واسع للقوى المدنية الديمقراطية، “تقدم”، انقسم، إذ انضم بعض أعضائه إلى “تأسيس”، بينما أعاد الغالبية تنظيم أنفسهم في تحالف جديد اسمه “صمود”، بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك. و”صمود” شدد على أنه لا حل عسكرياً، وأدان فظائع الطرفين، ويسعى للتحالف مع قوى ديمقراطية وثورية حقيقية لإنهاء الحرب، رغم ما يواجهه من حملات شيطنة من الإسلاميين وخصومات سياسية بين المدنيين. وأكد “صمود” على ضرورة وقف إنساني فوري لإطلاق النار، حماية المدنيين، وصول المساعدات، وعملية سلام مدنية تعالج جذور النزاع وتعيد المسار الديمقراطي القائم على مبادئ الثورة. كما دعا مؤتمر لندن في 15 أبريل، الذي استضافته بريطانيا والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا، لتشكيل مجموعة اتصال رفيعة المستوى لتنسيق جهود الوساطة الدولية.
إشراك المدنيين في عملية سلام ذات مصداقية أمر حاسم
لكن أصوات المدنيين كانت غائبة بوضوح عن جهود الوساطة الرسمية حتى الآن. ومن أهم الدروس من اتفاقيات السلام السابقة في السودان أن الصفقات النخبوية لتقاسم السلطة والثروة بين الجماعات المسلحة لا تجلب السلام، بل تعزز سلطة حاملي السلاح وتهمّش القوى المدنية. لذا من الضروري إشراك المجتمع المدني والمجموعات الديمقراطية في المبادرات السياسية المستقبلية.
ورغم أن المدنيين لم يحضروا مؤتمر لندن، فقد استُشير بعضهم مسبقاً، وأكد بيان الرئاسة المشتركة أهمية دور المدنيين في أي جهود لحل النزاع وصياغة مستقبل السودان. تضارب مواقف الدول العربية المتنازعة على السودان حال دون صدور بيان موحد للمؤتمر، وتم الاكتفاء ببيان رئاسي مشترك يعكس هذا الجمود.
مع تمسك البرهان وحميدتي بالحرب، وتدخل الأطراف الخارجية، وتزايد خطر تفكك البلاد، وسعي الإسلاميين من عهد البشير للعودة إلى السلطة، فإن تحقيق تطلعات المدنيين سيكون بعيد المنال ما لم يتم إدراجها ضمن استراتيجية سياسية منسقة بدعم من شركاء دوليين يتشاركون نفس القيم، وما لم يتوحدوا ضمن كتلة حرجة على أرضية مشتركة دنيا. وعلى المجتمع الدولي أن يُعطي الأولوية لخطوات عملية لحماية المدنيين ودعمهم، وأن يضاعف جهوده لتمكين مجموعات المجتمع المدني النابضة بالحياة في السودان. وإذا اضطر لاختيار طرف، فعليه أن ينحاز للمدنيين الديمقراطيين، لا لأي من الطرفين المتحاربين اللذين لم يُظهرا أدنى اهتمام بسلامة الشعب السوداني ورفاهيته.