“في ظل حرب بلا نهاية… “السودان ينزف، واللاعبون يقاتلون على ملاعب الغربة”

لوموند – أليكسيس بيليبولت

في أحد فنادق العاصمة الموريتانية نواكشوط، يجلس محمد عبد الرحمن، نجم نادي الهلال ومنتخب السودان، محدّقًا في شاشة هاتفه، يطالع الأخبار على أمل أن يقرأ خبرًا يبعث في قلبه الطمأنينة، أو خبرًا يلوّح بقرب انتهاء الحرب في بلاده. “أحيانًا أشعر أن الأمور ستتحسن… لكن الواقع يعيدني دائمًا إلى القلق والانتظار”، يقول اللاعب الذي خاض أكثر من 50 مباراة دولية، وهو الآن بعيد عن وطنه وعن أسرته.

منذ يوليو 2024، انتقل قطبا الكرة السودانية، الهلال والمريخ، إلى موريتانيا هربًا من أتون الحرب المشتعلة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، بناءً على دعوة من الاتحاد الموريتاني لكرة القدم للمشاركة في الدوري المحلي بصفة استثنائية. قرار شكّل طوق نجاة مؤقتًا للفرق التي كانت تعيش في تنقلات مستمرة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.

من أم درمان إلى نواكشوط
لم تكن موريتانيا المحطة الأولى في رحلة التشرد. يقول فلوران إيبينجي، المدرب الفرنسي الكونغولي للهلال: “غادرت السودان ومعي زوجتي وابنتي وحقيبة صغيرة و500 دولار فقط. قضينا عامًا في مصر والسعودية والمغرب وتنزانيا ورواندا… نبحث عن الأمان فقط”. ويضيف: “رغم العروض المغرية التي وصلتني من أندية عدة، لم أفكر في ترك الهلال. هؤلاء اللاعبون استثنائيون، فقدوا أحبّاءهم ومع ذلك يقاتلون على الملعب”.

نادي المريخ عاش التجربة نفسها، ويقيم الفريقان اليوم في فندقين متقابلين في نواكشوط لا تفصل بينهما سوى أمتار قليلة. ورغم التنافس الشرس بينهما، فإن ظروف الغربة جعلت منهما كيانًا واحدًا في وجه المحنة.

نتائج رغم الألم
ورغم مرارة اللجوء، قدّم الهلال موسمًا لافتًا في دوري أبطال أفريقيا بوصوله إلى ربع النهائي، بينما تأهل منتخب السودان – الذي يتكوّن معظمه من لاعبي الهلال والمريخ – إلى بطولة أمم أفريقيا 2025 في المغرب، ويُبقي حلم المشاركة في كأس العالم 2026 حيًا.

“اللاعبون يعيشون أوضاعًا نفسية صعبة، بعضهم لا يعرف مصير عائلته حتى الآن”، يقول حسن علي عيسى، الأمين العام لنادي الهلال ولاجئ حالي في القاهرة. “ومع ذلك، يقدمون أداءً مشرفًا. هم لا يلعبون من أجل أنفسهم فقط، بل من أجل شعب يعاني”.
يحاول الهلال، بإمكاناته المحدودة، دعم لاعبيه نفسيًا. فقد تم التعاقد مع طبيب نفسي لعقد جلسات فردية وجماعية، لتخفيف الضغط عن اللاعبين والجهاز الفني. “بعض اللاعبين وصلوا إلى حافة الانهيار”، يؤكد عيسى، مشيرًا إلى أن النادي، بقيادة رئيسه رجل الأعمال هشام السوباط، لا يزال يلتزم بدفع الرواتب رغم الأزمة.

من أكثر المتأثرين بالحرب كان خالد بخيت، المدرب المساعد بالهلال، والذي فقد والده وشقيقه الأكبر. “كان عليّ التماسك من أجل اللاعبين، بينما أحاول إخراج زوجتي وأطفالي من السودان… وقد استغرق الأمر عامًا كاملًا”، يقول بخيت، الذي تمكن من زيارتهم مؤقتًا في قطر.

لحظات إنسانية نادرة
في لحظة لا تُنسى، تمكن محمد عبد الرحمن من لقاء والديه في القاهرة، خلال مباراة الهلال ضد الأهلي المصري بدوري الأبطال. “لم أرهم منذ عامين، كانت ساعتان فقط، لكنها كانت كفيلة بإعادة الحياة إلى قلبي”، كما قال المهاجم.
في بنغازي الليبية، التي تحولت إلى “أرض بديلة” للمنتخب السوداني، يحضر الآلاف من أبناء الجالية السودانية لمؤازرة صقور الجديان. “هؤلاء اللاعبون يعطون السودانيين شيئًا من الأمل… كرة القدم باتت آخر ما يربطهم بالوطن”، يقول حسن علي عيسى.

في نواكشوط، يحاول اللاعبون التكيّف مع حياة جديدة. تدريبات، مباريات، زيارات متبادلة بين لاعبي الهلال والمريخ، وقليل من الراحة على الشاطئ أو في المقاهي. لكن الهاتف لا يفارق أيديهم، فكل مكالمة من الأهل قد تنقطع فجأة بسبب قصف أو انقطاع الشبكة. “نعيش لحظات من الرعب أحيانًا ونحن ننتظر خبرًا من عائلتنا”، يقول بخيت.

ويقول التقني الكونغولي :الأجانب في الفريق، خاصة من غرب أفريقيا، أصبحوا جزءًا من العائلة. “نحاول الحفاظ على الروح الجماعية. إنهم يعلمون أن القتال سينتهي يومًا ما، وسيتمكنون من العودة إلى بلادهم، حيث سيكون هناك الكثير مما يجب إعادة إعماره.

رغم الظروف القاسية، يعمل الاتحاد السوداني لكرة القدم على تنظيم تصفيات محلية لاختيار ممثلي السودان في البطولات القارية المقبلة. يُفكر المسؤولون في إقامتها في إريتريا، أو تنزانيا، أو حتى داخل السودان، في مدن مثل كريمة أو القضارف التي لم تتأثر كثيرًا بالحرب.
“الأمل لا يموت”، يختم حسن علي عيسى. “قد تهدم الحرب المنازل، وتقطع الكهرباء والماء، وتُغلق المدارس، لكن لا يمكنها أن تقتل الحلم. سنعيد بناء كل شيء… والكرة السودانية ستنهض من جديد”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى