أثر العقوبات الأمريكية على عودة التفاوض لوقف حرب السودان
ندى أبو سن
عقب زيارة الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط أصيبت القوى السياسية المدنية السودانية الرافضة للحرب بالإحباط الشديد وخيبة الأمل، إذ لم يتم خلال الزيارة مجرد الإشارة إلى حرب السودان من خلال المفاوضات مع قادة الدول التي قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارتها، وكانت لدى هذه القوى آمال عراض انعقدت على هذه الزيارة في حل المعضلة السودانية، خاصة أن الحرب تتمدد في كل يوم ويزيد أوارها وأفرزتها القاسية على حياة المدنيين السودانيين بسبب القتل المستمر والجوع والنزوح والمرض وانهيار البنى التحتية للبلاد وانعدام الأمن، بينما وقف المجتمع الدولي متفرجًا على هذا الوضع المأساوي منذ بداية الحرب، حيث شهد العالم خلال حرب السودان أكبر عملية نزوح تحدث في التاريخ، كما ازدادت معاناة السودانيين أكثر بعد استخدام الدعم السريع لسلاح المسيرات في القتال وما سببته ضرباته الموجعة من أضرار، حيث استهدفت خزانات الوقود ومولدات الطاقة الكهربائية والمطارات، الأمر الذي أسهم في ازدياد المعاناة على المواطنين وانعكس ذلك في شح المياه أو انقطاعها بشكل كامل وانقطاع التيار الكهربائي لأسابيع، بالإضافة إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية وانتشار الجوع إثر توقف المساعدات الإنسانية عقب خروج مطار بورتسودان من الخدمة نتيجة للضربات المتتالية التي دمرته، الأمر الذي شكل واقعًا معيشيًا قاسيًا على السودانيين في جميع أنحاء البلاد، كما أن امتلاك الدعم السريع للمسيرات مكنه من الوصول إلى جميع أنحاء البلاد بسهولة مما فاقم من المخاطر على حياة المواطنين.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت مؤخرًا عقوبات جديدة على السودان نتيجة لاستخدام الجيش السوداني للأسلحة الكيميائية المحرمة دوليًا، التي كان قادة الجيش قد هددوا باستخدامها بعبارة (استخدام القوة المميتة)، وقد جاء ذلك على لسان كل من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه ياسر العطا، رغم تحذير بعض العسكريين والمحاور الداعمين لبورتسودان من استخدام الأسلحة الكيميائية، إلا أن تقارير مختلفة صدرت لتؤكد استخدام الأسلحة الكيميائية في كل من الخرطوم والجزيرة ودارفور.
وكانت حكومة الأمر الواقع في بورتسودان الرافضة للانفتاح على التحقيقات الدولية والسماح لوسائل الإعلام العالمية بالدخول إلى السودان لنقل الحقائق على الأرض، كما رفضت التعاون مع المنظمات الدولية العاملة في حقوق الإنسان وقامت بطردها متهمة إياها بالتعاون مع الدعم السريع.
قابلت حكومة بورتسودان هذه العقوبات بردود أفعال أقل ما توصف به أنها متغطرسة وصبيانية، وبدا ذلك في بيان وزارة خارجية حكومة الأمر الواقع وتصريحات وزير إعلامها التي تفضح الارتباك الكبير في عمل حكومة الأمر الواقع، الذي أكدته اليوم أيضًا تصريحات مالك عقار حول ضرورة وقف الحرب، كما أكده من قبل تناقض تصريحات ياسر العطا المهددة والمعادية للدول وقطع العلاقات ثم الغضب بعد طرد بعثة القنصلية من دولة الإمارات.
لا شك أن هذه العقوبات سيكون لها أثرها الكبير في الضغط على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وإقناعه بالجلوس إلى مائدة التفاوض لإنهاء هذه الحرب بعد أن تملص من التفاوض في عدة منابر [جدة والبحرين وجنيف] متجاهلًا معاناة السودانيين في الداخل وفي أماكن النزوح بالخارج، وانهيار البلاد بشكل كامل في كافة القطاعات ..
وكان تحالف تأسيس قد حصل مؤخرًا على ثقة المجتمع الدولي بعد أن عمل على تقديم مشروع حكومة سلام استوعب من خلاله شروط كل من القانونيين والسياسيين والمجتمع الدولي، وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد ثمن تجاوب الدعم السريع مع الجانب الإنساني وانفتاحه على التحقيقات الدولية.
من جانب آخر استبشر السيد على يوسف رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي لحل النزاع في السودان بتقدم الجيش السوداني الأخير، مشيرًا إلى أن ذلك يعجل من نهاية الحرب، وقد جاءت هذه التصريحات عقب لقائه على هامش القمة العربية في بغداد بالفريق إبراهيم جابر، مبعوث البرهان إلى القمة، مما اعتبره البعض مؤشرًا على تغير في موقف الاتحاد الافريقي وعودة السودان للاتحاد الأفريقي، غير أن هذه التصريحات تعتبر مخالفة لقوانين الاتحاد الأفريقي الذي علق عضوية السودان عقب انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ ورفض تفعيل عضوية السودان حتى مارس ٢٠٢٥ مشترطًا قيام حكومة مدنية.
وفي هذا السياق سمى مؤخرًا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان رئيسًا للوزراء في محاولة لإضفاء الشرعية على النظام القائم في بورتسودان مما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السودانية حول الشرعية المزعومة، وكذلك حول نزاهة الشخصية المعينة لرئاسة الوزراء الدكتور كامل إدريس، ومدى كفاءته للمنصب، غير أن هذه العقوبات قد تعرقل وصول الرجل إلى المنصب وتفسد مخطط البرهان للانفراد بالسلطة، حيث تلاحقت الأخبار عقب الإعلان عن العقوبات الأمريكية من داخل السودان عن أثر استخدام الأسلحة الكيميائية وحدوث حالات تسمم بين المواطنين في المناطق التي تم فيها إطلاق السلاح الكيميائي، وهو ما يعيد لذاكرة السودانيين ما حدث بالهلالية ورفاعة والفاشر من حالات تسمم عقب ضرب الطيران مما تسبب في موت آلاف الأشخاص، واتهم حينها الدعم السريع بتسميم مصادر المياه وتشابه تلك الأحداث مع ما حدث مؤخرًا في أم درمان من تسمم ووفيات بعد القصف على مواقع الأسلحة الكيميائية.
من جانب آخر أكدت جهات موثوقة أن هناك اتفاقًا حصل بين القوى الإقليمية المؤثرة ينص على وقف التصعيد والدخول في عملية سياسية مدنية بمشاركة القوى المدنية والجيش والدعم السريع، حيث جاءت العقوبات لتقطع الطريق على مخططات البرهان والضغط عليه للعودة إلى طاولة المفاوضات وتنفيذ الاتفاق الإقليمي لوقف الحرب.