في تذكُّر الفاضل سعيد

 

السر السيد

يعد الفنان الكبير الفاضل سعيد أو (صانع جمهور المسرح السوداني)، كما يحلو لي أن أسميه، واحدًا من أهم المثقفين السودانيين الذين قدّموا

مثالًا باهرًا للمثقف “الناقد” المهموم بإِبداعه وقضايا وطنه، ومثالًا باهرًا للمسرحي المستقل الذي يسعى إلى أن يكون الجمهور شريكًا في صناعة الحياة المسرحية، دعمًا وتعاطيًا مع ما تنتجه.

 لا أستعيد ذكراه هنا بدافع الوفاء لفنان كرّس حياته في خدمة المسرح، وأسهم في أن يكون المسرح واحدًا من أكثر فضاءات المجال العام اشتعالًا ورسالية.

لا أستعيد ذكراه حنينًا إلى تجربة مسرحية استثنائية وفاعلة وإنما أيضًا لاحتياج حقيقي لنا كمسرحيين للطريقة التي نظر بها إلى فن المسرح، وإلى أدواره، وإلي الطريقة التي مارس بها هو هذا الفن العظيم.

مع الفاضل سعيد نقف على تجربة مسرحية، بل على مشروع مسرحي، أهم ملامحه التحوُّل والتنوع والاستمرارية، فمنذ بدايات هذا المشروع في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي وحتى وفاة الفاضل سعيد أثناء رحلة مسرحية لمدينة بورتسودان، تلك المدينة التي أحبها، وقدم فيها معظم مسرحياته تقريبًا. كانت سياسات هذا المشروع هي الحفر عميقًا في معالجة العملية المسرحية شكلًا وموضوعًا، بدءًا من الموضوعات التي ناقشها، مرورًا بطرائق بناء العرض وانتهاء بصيغ إنتاج العرض وتسويقه، فقد ابتدع الأستاذ وفي وقت مبكر “الارتجال” كطريقة لصناعة العرض المسرحي ليُحدِث ضمنيًا تحولًا نوعيًا في طريقة “عمل الممثل” وموقعه في العملية المسرحية، وتحولًا نوعيًا في “موقع الجمهور” وطرائق التلقي، وهو بهذا الابتداع استحق الريادة عن جدارة ليس في السودان وحسب وإنما على الأقل على المستوى العربي والأفريقي، حيث أن هذه الصيغة وما يستتبعها من تحولات في بناء العرض المسرحي قد شكلت لاحقًا رهانًا أساسيًا وسؤالًا مركزيًا في التنظير للعرض المسرحي.

مع الفاضل سعيد يتبدى ذلك الوطن في اتساعه وأمنه وأمانه وتسامحه وتفتحه وانفتاحه، فهو بلا منازع الرائد الذي تنقل بالمسرح من ساحة إلى ساحة، ومن قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة في جهات السودان الخمس، وكان يجد الحفاوة أينما حل ونزل ولا يخشى الذئب على غنمه.

في مسرحيات الفاضل سعيد الكثيرة التي نعرفها جميعًا، ترصُّدٌ ناعم وخشن بكل ما يعيق التفتح الإنساني من استبداد سياسي، ومن تمييز بسبب النوع ومن ظلم وقهر، عبّرت عنه من خلال ثلاثية أبطالها بحمولاتهم الدلالية المتنوعة “بت قضيم” و”العجب” و”كرتوب”، فمن بعض ما عبّرت عنه هذه المسرحيات وفي وقت مبكر جدًا “الفساد في الخدمة المدنية”، و”حق المرأة في العمل”، و”الصراع بين القديم والجديد”، و”هيمنة الثقافة الأبوية”، وغير ذلك.

لا يكتمل الحديث عن الفنان الفاضل سعيد دون الإشارة إلى الجماهيرية الكبيرة التي حظي بها مسرحه، ودون الإشارة إلى استقلاليته عن المؤسسة الرسمية للمسرح، التي جعلته وجعلت المسرح رغم معاناته واحدًا من مصادر الدخل القومي، التي من جانب آخر مكنته من التمتع بسلطة لم تتوفر بالقدر الكافي لغيره من المسرحيين، ودون الإشارة لمشاركته الاتحاد النسائي السوداني في دعم قضايا المرأة ومحاربة ما كان يُشخّصه الاتحاد النسائي ويصفه بالعادات الضارة، ودون الإشارة أخيرًا وليس آخر للعدد الكبير من الممثلين الذين شاركوا في عروضه وتعلموا منه.

 من مسرحياته نذكر:

*/ أكل عيش

*/ ما من بلدنا

*/ النصف الحلو

*/الحسكنيت

*/ عم صابر.

قالوا عنه:

قال عنه الفنان الكبير مكي سنادة ذات مرة: (إن المسرحي الجدير بوصف المحترف هو الفاضل سعيد)، وعن أسلوبه في التأليف المسرحي يقول الناقد والكاتب المسرحي د. خالد المبارك في مقالته الموسومة بـ(المسرح السوداني إلى أين):

(إنه يعتمد على الارتجال وليس على النص المكتوب، وهذا منهج له مزاياه ومعروف عالميًا، وتستفيد منه جوان ليلورد كما يستفيد منه بيتر بروك واثول فوجارد وغيرهم).

في ذكراه العشرين، يتجدد وجوده بيننا ويتأكد احتياجنا الملح له.

 فسلام عليه في الخالدين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى