900 حالة قيد التحري (الاعتداء الجنسي) .. عندما يتصدع جدار الأخلاق

الخرطوم – ابتسام حسن
تُعد حوادث الاعتداءات الجنسية على الأطفال من أكثر الجرائم خطورة على المجتمع، وهي ظاهرة تفاقمت في السنوات الأخيرة، وتضاعفت معدلاتها بعد اندلاع الحرب، بحسب المجلس القومي لرعاية الطفولة.
والمؤلم أن في كثير من القضايا يكون الجاني في الغالب شخصًا من الدائرة التربوية نفسها، ممن يفترض بهم أن يكونوا أوصياء على حماية الصغار وتربيتهم.
جريمة الأبيض
هزت مدينة الأبيض جريمة مروعة تعرضت لها طفلة في الثامنة من عمرها داخل مدرستها الخاصة.
فقد عادت الطفلة من المدرسة إلى منزلها في حالة إنهاك شديد، ما دفع أسرتها إلى عرضها على الطبيب، الذي أكد تعرضها لانتهاك جسيم.
ورغم الحالة النفسية والجسدية السيئة للتلميذة فقد روت أن أحد المعلمين بالمدرسة هو من فعل ذلك، كما هددها بعدم الحديث عن الموضوع.
وتم التعرف على المشتبه به، وهو معلم بمدرسة خاصة ويدعى “صالح”، يُدرس مادة التربية الإسلامية.
تدوين البلاغ
دونت أسرة الطفلة بلاغًا جنائيًا مرفقًا معه الكشف الطبي، ولكن حدثت مماطلة في الإجراءات القانونية، بسبب أن المتهم لديه علاقات مع جهات نافذة في القوات الأمنية.
وبعد تسرب الخبر لمواقع التواصل الاجتماعي، وتحت الضغط تحركت السلطات وألقت القبض على المعلم المشتبه به، الذي أنكر الجريمة.
إثبات الإدانة
العينة التي أخذت من المعلم المتهم الآن في الأدلة الجنائية، ومن المتوقع ظهور نتيجتها يوم السبت الموافق 11 أكتوبر.
انتهاكات بشعة
ذهب الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة د. إبراهيم أبو إلى أن الاعتداء الجنسي يعتبر من الانتهاكات الجسيمة والبشعة. وقال: “هي جريمة غير مقبولة وانتشرت في السنوات الأخيرة، وبعد الحرب انتشرت أكثر.
وأكد في إشارة إلى قضية الأبيض في تصريحه لـ”أفق جديد” أن الطفل يحتاج إلى مراقبة من الأسرة والجهات العدلية والمدرسة.
التحقيق في الجريمة
أكد أبو أن الجهات العدلية شرعت في التحقيق في الجريمة منها مجلس الطفولة ونيابة الطفل، وأن تلك الجهات ماضية في إجراءات البلاغ، وأن النيابة تدرس حاليًا الخطوات والبلاغ.
الطرق على القضية
طالب أمين مجلس الطفولة بضرورة الطرق على قضية الاعتداء الجنسي من قبل وسائل الإعلام المختلفة من تلفزيون وإذاعة وصحف، وقال إنه قبل فترة الحرب كانت الحالات تصل إلى 250 طفلًا في عدد من المناطق، وأنه الآن توجد 900 حالة اعتداء جنسي على الأطفال قيد التحري والتحقيق، منوهًا إلى ضرورة الدعم النفسي للحالات.
وأضاف أبو: “إن التنسيق جارٍ بين مجلس الطفولة ونيابة الطفل ومحكمة الطفل لفك طلاسم قضية الأبيض”، منوهًا إلى أن الإجراءات الجنائية جارية.
الأثر النفسي
ذهب أخصائيون نفسيون إلى أن الأثر النفسي على الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء الجنسي عميق ومعقد، وقد يختلف من طفل لآخر بحسب العمر، ونوع الاعتداء، والعلاقة بالجاني، والدعم المتوفر بعد الحادث منها الآثار النفسية المباشرة.
الصدمة النفسية (Trauma) وفيها يشعر الطفل بالخوف الشديد، والارتباك، وعدم الفهم لما حدث، خصوصًا إذا كان الجاني شخصًا يعرفه أو يثق به. فضلًا عن القلق والخوف والاكتئاب والحزن المستمر والشعور بالذنب أو العار، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
وأشار الخبراء إلى الآثار السلوكية والمعرفية والانسحاب الاجتماعي، فضلًا عن التراجع الدراسي أو الصعوبة في التركيز وسلوكيات جنسية غير مناسبة للعمر،
مثل اللعب الجنسي المفرط أو استخدام كلمات جنسية لا تناسب سنه والتبول اللا إرادي.
مراقبة لصيقة
يقول الخبير التربوي الإمام عبد الباقي الإمام في تصريحه لـ”أفق جديد” إن الأطفال أمانة في أعناقنا منذ الطفولة إلى ما بعد البلوغ إلى سن الرشد، لذا ينبغي لنا أن نحافظ عليهم وأن نبصرهم بالتوعية والإرشاد والتربية الشاملة لكل الجوانب وتنمية قدراتهم العقلية والوجدانية والجسدية، وأن ننميها التنمية الاجتماعية اللازمة حتى لا ينشأ الطفل منحرفاً ومتمرداً ومنعزلاً عن محيطه الاجتماعي والأسري والمدرسي والمجتمعي.
وذهب إلى أن الأطفال كالنبات تماماً ينمو نمواً طبيعياً حين نتعهده بالسقاية والرعاية والعناية والمراقبة، لذا يجب أن تتكامل الأدوار وتتضافر وتتنوع أدوار الأسرة والمدرسة والمجتمع وأجهزة الدولة عبر التثقيف والقوانين، حتى لا يصبح المجتمع وأفراده كالمزرعة الهمل تنفشها غنم القوم إن كانت بلا سور يحميها تغري كل حيوان للرعي السائب والمرتع بلا ضوابط.
وقال إنه من المؤسف حقاً أن تستفحل مثل هذه الظاهرة في المجتمعات المحافظة وفي مؤسسات التعليم مما يهدد أمن البلد ومستقبل الأطفال الأبرياء.
وأضاف أنه عندما ينعدم الضمير وتموت الغيرة وينزرع الهلع والخوف في أوساط المجتمع ونفوس الناس، خاصة الأسر التي تعول على المؤسسات التربوية أيًا كان نوعها روضة أو أساسًا أو ثانوية عامة ولا تستثني المرحلة الثانوية، فهي مرحلة تغيرات تتطلب مراقبة لصيقة حتى نضمن عدم انحراف أولادنا وبناتنا عن الجادة.
وشدد على أن القائمين بأمر التعليم تقع عليهم المسؤولية وذلك عبر الضوابط التي تحكم مسار التربية من خلال معالجات تتلافى أخطاء الماضي مثل الاختلاط والتهاون في منح التصديقات وشروط تعيين المعلمين والعاملين وضبط الدوام اليومي، وتهيئة البيئة المحفزة خاصة مدارس البنات التي تتطلب مواصفات خاصة مثل الأسوار والحمامات والمقاصل، إلى جانب تعيين إدارات مدرسية قادرة ومؤهلة ومشهود لها بحسن الخلق عبر مسيرتها الطويلة في حقل المعرفة.
واستطرد: “إذا أردنا لمجتمعنا عامة ومجتمع الطفولة خاصة أن ينمو نمواً طبيعيًا عنوانه الفطرة السليمة علينا أن نوفر مقومات التعليم الجيد فالعبء ثقيل يتخفف حمله بجهد الدولة وجهد المواطن وجهد أجهزة الإعلام التي أحسبها المرآة الصافية الصادقة العاكسة لصورة المجتمع حسناً وقبحًا”.





