الفاشر والكومة.. حين يحتل الموت الجغرافيا


حوالي 60 شخصًا على الأقل قتلوا السبت في هجوم بطائرة مسيرة لقوات الدعم السريع، استهدف مخيم دار الأرقم للنازحين في مدينة الفاشر بشمال دارفور في السودان.
وبحسب بيان صادر عن تنسيقية لجان مقاومة الفاشر فإن عدد القتلى وصل إلى 60 قتيلا “بعد استهداف مدرسة دار الأرقم بـ 2 مسيرة استراتيجية وأكثر من 8 (قذائف) حارقة، لتتناثر الجثث في مشهد يفوق الوصف”.
واتهمت لجان المقاومة في المدينة المحاصرة السلطات الرسمية بالصمت المطبق والتقاعس التام تجاه ما وصفته بـ”المأساة الإنسانية المتفاقمة” التي يعيشها سكان المدينة، نتيجة القصف المتكرر والحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع منذ أشهر، واصفة ما يحدث في المدينة بأنه يمثل جريمة مكتملة الأركان في ظل صمت حكومي ودولي مريب، داعية إلى توثيق ما يجري ليشهد التاريخ أن “مدينة كاملة صمدت بجوعها ودموعها وكرامتها”، وأن العالم “تخاذل أمام معاناة شعب يُذبح يومياً دون أن تتحرك من أجله الأمم أو منظمات العدالة أو القوى السياسية”.
وقالت التنسيقية في بيانها إن الدولة “وقفت عاجزة وكأن الفاشر ليست جزءاً من هذا الوطن”، مشيرةً إلى أن المدنيين في المدينة “يُقتلون جوعاً وعطشاً بعد أن حُرموا من الخبز والماء والدواء، ويُذبحون ظلماً تحت القصف الذي لا يفرّق بين طفل وشيخ”. وأضاف البيان أن “الهواء نفسه لم يسلم بعدما اختنق بأنفاس كيميائية لا يمكن للعقل وصفها ولا للضمير تبريرها”.
لاحقاَ أدان بيان صادر عن وزارة الخارجية السودانية المجزرة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بمركز إيواء دار الأرقم في الفاشر، التي راح ضحيتها عشرات المدنيين.
وأضاف البيان أنه راح ضحية المجزرة البشعة 57 من المدنيين بينهم 17 من الأطفال، 22 من النساء و18 من كبار السن، ووصفتها بأنها “امتداد لمخطط مليشيا آل دقلو الإرهابية الذي يهدف إلى التصفية الجماعية للنازحين والمدنيين بمنطقة الفاشر”.
ودعا بيان الخارجية، مجلس الأمن بالأمم المتحدة للاضطلاع بمسؤولياته للتصدي لهذه “المليشيا” ورعاتها وإنفاذ قراره 3736 (24) الذي يطالبها برفع حصارها عن الفاشر فوراً والتوقف عن مهاجمتها، وطالب البيان كل الفاعلين الدوليين والإقليميين باتخاذ إجراءات ملموسة تضمن وقف إمدادات السلاح والمرتزقة للمليشيا ومعاقبة قياداتها وعناصرها المسؤولة عن هذه الفظائع.
ونفت قوات الدعم السريع “بشكل قاطع”، في بيان لها يوم السبت، ما وصفته بادعاءات كاذبة حول سقوط مدنيين نتيجة قصف جوي أو مدفعي، زعم من أسمتهم “الغرف الإعلامية التابعة لجيش الحركة الإسلامية الإرهابية” أن قواتها نفذته.
وقالت إنَّ هذه الادعاءات “تأتي في سياق حملة تضليل منهجية تهدف إلى التغطية على الهزائم الميدانية التي مُني بها الجيش الإرهابي وعناصره من المُرتزقة.
ودمغ بيان الناطق الرسمي، “لجان مقاومة الفاشر” بالتبعية للأجهزة الأمنية للنظام، وقال إن ما تنشره هي وغيرها من واجهات من اتهامات “ما هي إلا افتراءات لا تمت للواقع بصلة، وتكذّبها الحقائق وروايات الآلاف من المدنيين الذين غادَروا المدينة بعد أن وفرت قواتنا لهم ممرات آمنة وملاذات مؤقتة لحماية أرواحهم”.
حسناً، لا يبدو نفي الدعم السريع لتورطها في مجزرة استهدفت مدنيين جديدًا، والبيان لا يبدو أكثر من كونه محاولة هروب للأمام من مواجهة تداعيات الانتهاكات التي ترتكبها وما يمكن أن تجره عليه من تحديات في مواجهة المجتمع الدولي والإقليمي، رغم أن قوات الدعم السريع لا تبدو مهمومة بهذا الأمر وتمضي حثيثاً لإنجاز أهدافها العسكرية بغض النظر عن كلفتها مستقبلاً، المفارقة أنه وبالتزامن مع اصطياد مدافع الدعم السريع للأطفال والنساء في معسكرات الإيواء بالفاشر كان قائد الدعم السريع يعد بتحويل دارفور لـ”سويسرا السودان”.
وقبل أن يجف مداد حبر كتابة الإدانات لمقتل المدنيين في مركز إيواء الفاشر كانت مدافع الدعم السريع تعود لمواصلة قصفها المدنيين في المدينة مرة أخرى ودون توقفـ بينما تحمل الأنباء القادمة من منطقة “الكومة” نبأ سقوط ضحايا آخرين في المنطقة لكن هذه المرة بفعل قصف طيران تم تنفيذه بواسطة الجيش ربما كتأكيد جديد على ان سقوط المدنيين وموتهم هو أسهل ما يمكن القيام به في حرب العبث السودانية، وهو أمر يتفق حوله طرفا النزاع وبالطبع القوات المتحالفة معهم الآن الحركة الشعبية بزعامة عبد العزيز الحلو التي نفذت هجوماً بالمسيرات على مناطق في كردفان في استمرار لسلسلة المواجهات ونزيف الدم في سودان الصراع.
في الفترة ما بين 7 و9 أكتوبر 2025: قُتل ما لا يقل عن 53 مدنياً وأكثر من 60 جريحاً في هجمات متكرّرة للمسيرات والمدفعية في الفاشر والمناطق المحيطة بها، بما في ذلك مخيّمات النازحين والأحياء السكنية والمساجد والمستشفيات، وهو ما دفع بجهات كثيرة لانتقاد ما يجري على الأرض الذي يدفع فاتورته بشكل رئيس المدنيين في الوقت الذي تتابعت فيه بيانات الإدانة من حاكم إقليم دارفور المتحالف مع الجيش أركو مناوي ووزير المالية جبريل إبراهيم اللذين اعتبرا ما تم تأكيد على همجية الدعم السريع وعلى انتهاكاته، مطالبين العالم بالتدخل لإيقاف المقتلة في الفاشر وبالطبع حماية المدنيين.
أدانت منسقة الأمم المتحدة المقيمة للشؤون الإنسانية في السودان، دينيس براون، بـ”أشد العبارات” الهجمات المتكررة التي استهدفت المدنيين في ولاية شمال دارفور، خلال الفترة من 5 إلى 11 أكتوبر الجاري، التي أسفرت عن مقتل أكثر من مئة مدني بينهم نساء وأطفال، مشيرة إلى أن التقارير تتحدث عن قيام قوات الدعم السريع بتنفيذ هذه الهجمات.
وشددت المسؤولة الأممية على أن المستشفيات والملاجئ وأماكن اللجوء يجب ألا تكون أهدافًا لأي هجوم، مجددة دعوتها إلى احترام القانون الإنساني الدولي ووقف جميع الهجمات ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية.
ودعت براون إلى إجراء تحقيقات شاملة ونزيهة في هذه الحوادث ومحاسبة المسؤولين عنها، مؤكدة أن “المدنيين بحاجة إلى الحماية، والمجتمع الإنساني بحاجة إلى الوصول الآمن، والأهم من ذلك، يحتاج شعب السودان إلى وقف العنف”.
لكن إدانات المنظمات الأممية وبيانات الشجب من الدول المختلفة لا تغير شيئًا من الأوضاع التي يعيشها السودانيون المعلقون بين مشاجب أطراف النزاع، يحلق الموت من فوقهم بواسطة الطيران وتلحقهم قاذفاته حتى في خنادق هروبهم منه في دور الإيواء، فيما تمنحك صور الأشلاء بين الفاشر و”الكومة” الإجابة على قيمة السوداني وسط حرب العبث.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى