المبادرة التركية.. والمصالح المتضاربة 

وائل محجوب

وائل محجوب

  • شرع نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران ووفده المرافق في مباحثات ببورتسودان شملت وزير الخارجية ورئيس مجلس سيادة حكومة ٢٥ أكتوبر والقائد العام للقوات المسلحة، في أول تحرك جدي بعد إعلان مبادرة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان التي طرح من خلالها التوسط بين السودان والإمارات لإصلاح علاقات البلدين، كمدخل لمعالجة قضية الحرب المتطاولة في البلاد.
  • هذه المبادرة التي وجدت ترحيبا من السودان والإمارات، لن تكون أفضل من التحركات الإقليمية والدولية السابقة، التي ارتطمت برفض داخلي له صلة بشركاء الحرب، فآخر محاولة لإحياء منبر جدة تولى إفشالها وزير المعادن عن إحدى حركات الكفاح المسلح محمد بشير أبو نمو، بينما كل ما سبقها وتلاها تصدت لها مجموعات تنتمي للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية إعلاميا، وخربتها قبل أن تمضي خطوة إلى الأمام.
  • لقد تشعبت الحرب وصارت هدفا لمجموعات مختلفة، اجتمعت مصلحتها على استمرارها سياسيا بل واقتصاديا كذلك، وقد حذرنا من قبل أن تطاول أمد الحرب يعقد الأوضاع، وأن القوى التي ستدخل ساحتها سرعان ما ستعمل على تحقيق مصالحها من خلالها، وقد وصلت هذه الحرب ذلك المنعطف، ولعل ما أسهم في ذلك الوضع هو طريقة إدارة الحرب التي سمحت لمختلف المليشيات والجماعات بحمل السلاح بالتنسيق مع القوات المسلحة، بينما كان الأولى أن تتم إدارة كامل العملية بواسطة القوات المسلحة بدءا بفتح باب التطوع والتجنيد والتنسيب لها، وتتحكم بذلك في كامل مسار العملية ابتداء من التجنيد ومرورا بالتدريب والتأهيل وانتهاء بالتسليح والخضوع المؤسسي.
  • وعلى الجانب الآخر فإن مجموعات المليشيات التي انحازت للدعم السريع أيضا لها مصلحة في استمرار الحرب، فهي تضمن استمرار التمدد لمناطق جديدة وغنائم جديدة للحرب، ولذلك ما أن يتم تجفيف منطقة ما إلا وتزحف المجموعات المختلفة نحو منطقة أخرى فلا تترك للمواطنين حتى مؤنتهم من المحاصيل، ناهيك عن أموالهم وسياراتهم وحاصداتهم ومواشيهم.
  • هذه الحرب وصلت مرحلة لا يمكن إيقافها إلا بإرادة داخلية سودانية موحدة، أو بإرادة أعلى من قبل قوى تدرك جميع الأطراف خطرها وأثرها عليهم، سواء أكانت إقليمية أو دولية، وهذا لن يحدث ما لم تكن المبادرة التركية هي واجهة لتحرك يجد دعما واسنادا من المجتمعين الإقليمي والدولي، ويحمل رسالة واضحة في طياته.
  • لقد تم إفشال مختلف التحركات الخارجية السابقة عبر تعبئة سياسية واسعة النطاق، من داخل ميادين القتال وعلى مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ومعلوم ما هي الجهات التي تتبنى هذا النهج، وعلى رأسها جماعات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، التي اتخذت هذه الحرب سلما ترتقي عبره للسلطة من جديد. 
  • وكان من الواضح إنها قادرة على فرض إرادتها حتى على قيادة الجيش، التي توافق على المبادرات وتتهرب منها تحت الضغوط التي تواجهها، مثلما حدث لاتفاقية المنامة ولمبادرة جدة نفسها، وآخرها اجتماعات جنيف حول الوضع الإنساني، ولن يكون مصير هذه المبادرة بأفضل من سابقاتها، على الرغم من صلة تركيا المعلومة بأطراف من قيادات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، الذين يصطرعون حاليا سياسيا وتنظيميا ويتنازعون على القيادة والسيطرة على مقاليد الأمور، فما يتوحدون حوله جميعا هي السلطة، ولا تملك الأطراف المتصارعة سبيلا لها بغير الحرب واستمرارها.
  • وبطبيعة الحال فإن الحركات المسلحة التي انحازت للقتال مع الجيش قد باتت أكثر تطلعا لتحقيق المزيد من المكاسب، وهي لا تتردد في إعلان ذلك، وتفاوض لنيل المزيد من حصص السلطة، استنادا للواقع الذي ازدادت فيه أهمية قواتها التي تقاتل جنبا إلى جنب القوات المسلحة، وهي ترى أن هذه هي لحظة فرض مطالبهم وانتزاعها، لذلك لم يكن مستغربا ما تسرب عن مطالب بمنصب نائب ثان لرئيس المجلس السيادي، والمزيد من الحصص في الحكم، وتشكيل مجلس للدفاع والأمن يضم قادة هذه الحركات وقادة القوات النظامية وأصحاب المناصب السيادية بالدولة، مع تعديل الوثيقة الدستورية بما يضمن بدء مرحلة انتقالية جديدة لتسعة وثلاثين شهرا جديدة، وسط نيران الحرب وقبل تحرير الأرض حتى، فذلك هو الهدف الحقيقي لكل أطراف هذه الحرب المدمرة، السلطة ولا غيرها.

وائل محجوب

كاتب صحفي ومحلل سياسي معتمد لدى العديد من القنوات الفضائية العربية وله مساهمات نظرية في القوانين المنظمة لمهنة الاعلام، وقدم العديد من أوراق العمل والبحوث في محاصرة خطاب الكراهية وأخلاقيات مهنة الصحافة عمل مديرا لتحرير صحيفة الأيام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى