امتحانات الشهادة المؤجلة.. أخطاء في كل المراحل

 

الزين عثمان

في الوقت الذي دوى فيه رصاص الفرح في سماء المدن السودانية احتفالًا بنجاح الطلاب في امتحانات الشهادة، كان رصاص الحرب يحصد أرواح الناس في مدينة النهود غرب السودان، بعد أن وصلتها قوات الدعم السريع. بين رصاص أفراح النجاح ورصاص حزن الموت ثمة حقيقة واحدة مفادها الامتحان في زمن الحرب.

يصفها البعض بأنها أوراق سياسية وظفتها السلطات السودانية في شهر ديسمبر الماضي من أجل الانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلام، أكثر منها أوراق امتحانات هدفها الرئيسي نقل طلاب المرحلة الثانوية للمرحلة الجامعية في السودان، وفقًا لما هو متعارف عليه عن “الشهادة السودانية”، وهي الامتحانات التي غاب عنها ثلث الطلاب في ولايات الخرطوم الجزيرة وكردفان وولايات دارفور، وشهدت حالة شد وجذب بين طرفي النزاع في الحرب السودانية القوات المسلحة والدعم السريع .

مطلع مايو أعلنت وزارة التربية والتعليم في السودان إعلان نتائج امتحانات الشهادة السودانية بعد أن تم التوقيع عليها من قبل رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وبنسبة نجاح بلغت 69%. وبالطبع مع إعلان النتائج ظهرت الأفراح لدى كثير من الأسر بسبب نجاح أبنائها خصوصًا وأنه نجاح ارتبط بظروف قاهرة في فترة الامتحانات.

لكن سرعان ما تحولت فرحة الناس بإعلان نتائج الشهادة السودانية لحالة من الحسرة، استنادًا على ما تم وصفه بالأخطاء الكارثية التي رافقت عملية إعلانها، أو تلك الأخطاء المرتبطة بغرفة “الكنترول” وبالعملية برمتها، وهي العملية التي تم إنجازها بعجلة بغية تحقيق نصر سياسي وفقًا لما جاء في بيان للجنة المعلمين السودانيين انتقدت فيه إقامة الامتجانات وقتها والمترتبات عليها من خلق حالة تفاوت وغياب أسس المساواة والإقصاء الذي يشكل انتهاكًا فاضحًا لمبدأ تكافؤ الفرص، ويهدد وحدة النظام التعليمي في البلاد ويهدد وحدة البلاد .

تصدر لجنة المعلمين بيانًا جديدًا تنتقد فيه عملية إعلان نتيجة الشهادة، وطالبت بتشكيل لجنة للتحقيق في الأخطاء الكارثية التي صاحبت إعلان نتيجة امتحانات الشهادة المؤجلة للعام 2023، مع ضرورة إعادة النظر في التعاقدات الفنية المتعلقة بخدمة الاستعلام عن النتائج، وهي العملية التي آلت لشركات الاتصالات التي حددت قيمة مالية عالية لخدمة الحصول عليها لا تتوفر لدى الكثيرين، وليس هذا فحسب فقد رافقت عملية الاستعلام أخطاء كبيرة وحدث تداخل في أرقام الجلوس، غابت نتائج طلاب خضعوا للامتحان في حين منحت خدمة الاستعلام النجاح للكثير من الأسماء التي غابت عن العملية، وذلك وفقًا لتسجيلات كبيرة تابعتها “أفق جديد” على وسائل التواصل الاجتماعي يشكو من خلالها الممتحنون وأسرهم من الظلم الذي وقع عليهم ويطالبون بضرورة إعادة التصحيح .

الفوضى ضربت بأطنابها مع غياب الحد الأدنى من العدالة والشفافية. توصيف آخر استخدمته لجنة المعلمين لعملية إعلان النتائج، وهو ما فسرته لسيادة التعجل والارتباك لإعلان النتيجة، وهو ما قاد في آخر المطاف للتخبط، وهو ما يستدعي إعادة النظر في كل ما حدث.

 وأكدت اللجنة أيضًا على دعمها لاستمرار العملية التعليمية والمحافظة على مستقبل الطلاب مع توفير الحد الأدنى الذي يسمح بتحقيق تلك الغاية.

في إجابته حول وجود أخطاء صاحبت عملية التصحيح نفى وكيل وزارة التربية والتعليم عمر الخليفة وجود هذه الأخطاء، معتبرًا أن انتهاج ذات أساليب تصحيح الشهادة في الوقت السابق يجعل احتمال وجود نسبة خطأ واحد مستبعدًا، وشدد الوكيل في تصريحاته بأن الشهادة السودانية تتمتع بكل شروط الاعتماد والموضوعية ولها سمعة عالمية. واتهم جهات لم يسمها بالعمل على إفساد فرحة الشعب السوداني والطلاب وأسرهم.

يعيد السودانيون إحتفائهم بـ شمس الطالبة التي قطعت 2000 كيلو متر من نقطة نزوحها في تشاد حتى وصولها إلى مركز الامتحان في مدينة الدامر بنهر النيل، وهذه المرة يحتفلون بتفوق الفتاة التي تنحدر من مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور وحصولها على نسبة 94% وإعلان اسمها من ضمن المتفوقين في المؤتمر الصحفي. قصة نجاح شمس مثلت قصة ملهمة انتصرت من خلالها لحقها في التعليم ومدت لسان سخريتها من الذين قرروا “حرمانها”، لكنها في المقابل تفتح بوابة الأسئلة على مصراعيها حول مستقبل الآخرين والأخريات ممن عجزوا عن قطع الـ 2000 ميل أو أولئك الذين قطعتهم “الارتكازات” من العبور نحو غرفة الامتحان أسوة بما حدث مع طلاب ولاية الجزيرة. قصة “شمس” تعيد طرح السؤال من يتحمل دم الأستاذ الهادي أبكر إسماعيل الذي اغتالته قوات الدعم السريع في منطقة الأزهري، وهو يحاول إخراج طلابه الممتحنين من أجل التسجيل؟ وبالطبع قصة نجاح شمس تضعنا أمام السؤال الكبير حول مصير عشرات الآلاف من الطلاب الذين حرموا من الجلوس للامتحان وذلك بسبب وجودهم في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع .

حسنًا، أبطال أولئك الذين خاضوا مغامرات الوصول إلى غرف الامتحان برًا وبحرًا متجاوزين الأهوال والمصاعب مثلهم الذين أوقفوا في الارتكازات وتم منعهم. أبطال من استطاعوا أداء الامتحانات بعيدًا عن ديارهم وبيوتهم أو انتقلوا من مدرسة حيث يقيمون كنازحين إلى مدرسة الامتحان.. وقصص بطولة أخرى رسمها الآباء والأمهات في سعيهم لتوفير رسوم الامتحان في المهجر، وهم الذين غادروا بلادهم تاركين كل شيء خلفهم، كانوا أبطالًا وهم يتجاوزون جشع حكومة لم تقدر ظروفهم، ولم يدر منسوبوها أنها السبب في كل ما يجري لهم بسبب الحرب.

لا يزال بعض الطلاب وأسرهم ينتظرون نتائج جهدهم في الامتحان، ينتظر البعض تحول عبارة “رسوب” إلى عبارة نجاح واثقين أن ثمة خطأ حدث ويجب معالجته، لكن في انتظارهم هذا فهم يمنحون السلطات النتيجة التي تستحقها في الامتحان وهي “الرسوب”، وصفر المسؤولية والدقة والشفافية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى