تسريب عبد الحي.. وكشف المستور

وائل محجوب

أثارت تصريحات د. عبد الحي يوسف المسربة عبر تسجيل فيديو لجلسة منتدى مقاربات للتنمية الشاملة مع من وصفهم “ببعض الإخوان في سوريا”، التي حملت هجوما على القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان بلغ حد نعته بأنه “لا دين ولا عهد له”، عاصفة كبيرة من ردود الأفعال، ودفعت البرهان للرد عليه في مخاطبات داخلية وسط ضباط وجنود الجيش.

بيد أن أخطر ما في إفادات د. عبد الحي، مرّ الناس عليه مرورا عابرا، وأوله أنه كان يتحدث عن قائد الجيش، وتفاصيل ما يجري في جبهة الحرب في محفل يضم أجانب من غير السودانيين من المنتمين لتيار الإسلام السياسي، وهو مسلك إذا جاء من غيره لتم دمغه فورا بتهم الخيانة العظمى والعمالة والتخابر مع جهات خارجية، والإساءة للقوات المسلحة وغيرها من التهم الجاهزة، التي يبرع في إطلاقها كتاب وأبناء الحركة الإسلامية ومن يسيرون في ركابهم، غير إن غالبهم حاولوا التماس الأعذار لشيخهم، والتخفيف من وقع وآثار حديثه، بل ذهب بعضهم إلى دعوة القائد العام للصبر واحتمال آراء العلماء، واستنكر آخرون رده باعتباره أعلى من الرد على كل الانتقادات التي توجه إليه..!

ما جرى على لسان د. عبد الحي من هجوم على البرهان ليس الأول من نوعه، فالهجوم عليه ظل يتكرر تبعا لظروف الوضع العسكري الميداني والسياسي من مجموعات مختلفة تنتمي للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وقد اتهم باتهامات لا حصر لها في مراحل مختلفة منذ اندلاع الحرب، بيد أن أخطر ما في حديث د. عبد الحي هو المنبر الذي أطلق منه الهجوم وطبيعة المشاركين فيه، كما إنه جاء في ظل صراع سياسي مستعر خرج للعلن بين أقطاب المؤتمر الوطني نفسه، مثلما عبرت عن ذلك ملابسات قيام اجتماع هيئة شورى الحزب الأخير بعطبرة وتسمية أحمد هارون رئيسا للحزب، وما تلاها من بيانات ومواقف رافضة لذلك من قبل مجموعة المكتب القيادي التي يقودها المهندس إبراهيم محمود والقيادات المساندة له، وهو واقع يكذب الصورة التي حاول د. عبد الحي رسمها حول الحركة الإسلامية “وبالضرورة المؤتمر الوطني” خلال حديثه، التي اعتبر من خلالها أن الحرب قد أعادت لها ألقها وقوتها، في سياق تعداده للمكاسب التي حققتها الحرب للحركة الإسلامية، ومنها “إنها دخلت بكل ثقلها وشبابها في هذه المعركة، التي دفعت بروح جديدة في عملية الجهاد وسط الأجيال الحديثة، التي لم تعش تجربة الحرب الجهادية الأولى في جنوب السودان في تسعينيات القرن الماضي، من خلال تكويناتهم الحالية عبر المقاومة الشعبية “اسم الدلع كما قال للجهاد”.

وما قاله عبد الحي هو عين ما ظلت تتحدث عنه أطياف من القوى المدنية المختلفة، التي رأت منذ اليوم الأول أن هذه الحرب هي من صناعة تيارات الحركة الإسلامية المتصارعة، التي تتبوأ المواقع القيادية على مستوى الجيش والدعم السريع، وتلك التي استعادت مواقعها في الخدمتين المدنية والعسكرية عقب انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، وأن رموز وقيادات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية لهم القدح المعلى في إشعال واستمرار هذه الحرب، التي تهدف إلى تصفية مسار الثورة السودانية بالكامل، واسترداد الحكم لمن تكون له الغلبة العسكرية.

ما قاله عبد الحي يوسف هو أحاديث الغرف المغلقة التي تدور بين الإسلاميين ولا تنشر للعامة، وهذا هو مصدر الانزعاج الحقيقي من قبلهم لنشرها، فهي قد كشفت منظور طيف منهم للحرب كرافعة الهدف منها إعادة سلطتهم الكاملة على البلاد، وما صراعهم الداخلي إلا ملمحا عابرا عما يعتمل بينهم من مطامح ومطامع سلطوية، يرون اقتراب تحقيقها، والاستعداد لمرحلة ما بعد زوال الدعم السريع، ويستعدون لمواجهة العقبات التي قد تعترض طريقهم، وعلى رأسها مطامع البرهان في الحكم، وإمكانية عقده لصفقات تنتهي بالمواجهة معهم.

 

وائل محجوب

كاتب صحفي ومحلل سياسي معتمد لدى العديد من القنوات الفضائية العربية وله مساهمات نظرية في القوانين المنظمة لمهنة الاعلام، وقدم العديد من أوراق العمل والبحوث في محاصرة خطاب الكراهية وأخلاقيات مهنة الصحافة عمل مديرا لتحرير صحيفة الأيام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى