نوبة طويلة من الألم داخل بيوت “القش”

عدد النازحين بغرب كردفان بلغ33.313 أسرة وفق بيانات العون الإنساني بالولاية

عضو لجنة بمعسكر “أم رمانة”: استلمنا 60 جوال دقيق لمجموع 134 أسرة داخل المخيم

النهود- حمد سليمان
“تعودنا على الجوع”، قالت النازحة، فرحة عبد الله، التي تقيم في مخيم “أم رمانة” بمدينة النهود بولاية غرب كردفان، لـ”أفق جديد”.
هكذا لخصت المرأة التي تبلغ (52) عامًا مأساتها ومُعاناتها داخل مخيم النزوح البائس؛ في ظل نقص الغذاء والدواء.
وأضافت: “عجزنا عن توفير احتياجات أطفالنا. عانينا في موسم الأمطار بسبب الرواكيب المبنية من القش، وحاليًا نعاني من موسم الشتاء القارص لعدم وجود البطاطين “.
وتابعت: “لم نتلق أي خدمات حكومية أو من ديوان الزكاة، رغم أننا ذهبنا في موكب احتجاجي إلى المحلية، وتلقينا اعتذرت ووعود لفراغ صندوق النقد المالي”.
ومُنذ اندلاع الحرب منتصف أبريل/ نيسان 2023، استقبلت ولاية غرب كردفان ومحلياتها الأربعة عشر أعدادًا كبيرة من النازحين بلغ عددهم 33 ألف و313 أسرة. وفق بيانات حصر وإحصاء الصادر عن مفوضية العون الإنساني بالولاية.
وتضم الولاية مخيمات نزوح متفرقة في محليات “الفولة، بابنوسة، المجلد، الميرم، الدِبب، لقاوة، كيلك، السنوط، النهود، غبيش، الخوي، وبد بندة، أبو زبد، والأضية”، بسبب الحرب بين الجيش السوداني، وقوات “الدعم السريع”، بجانب الاشتباكات المتفرقة بين الجيش السوداني، وقوات الحركة الشعبية/ شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، في ولاية جنوب كردفان.
وقبل بدء الصراع المدمر بين الجيش السوداني، وقوات “الدعم السريع”، كان ثلثا سكان السودان يعيشون بالفعل في فقر مدقع، والآن يواجه المزيد من الناس احتمال الفقر التام.
من جهتها تقول الرحمة عبد الله نجم الدين، (46) عامًا التي نزحت من قرى “برباش”، لـ”أفق جديد”، “نزحت من قريتي منذ عام تقريبًا، وجئت إلى هنا، لكنتي لم أتلقَ أي دعم من الحكومة، رغم عملية الإحصاء للنازحين”.
وأضافت قائلة والحسرة تكسو وجهها: “وعدونا لكن لم يصلنا أي شيء”.
وتابعت: “نتمنى أن يزورنا المسؤولون للوقوف على أوضاعنا، وكما ترى نواجه موجة برد، ولا نملك أغطية أو خيام.. نسكن في بيوت القش التي لا تحمينا من البرد والأمطار”. وزادت بالقول: “نحن في أشد الحاجة إلى مواد إغاثية وأواني منزلية. أحيانا نضطر لتبادل الأواني داخل المعسكر لنصنع الطعام “.
نقص الطعام
رحاب جودة الله، وهي عضو لجنة في معسكر “أم رمانة”، أقرت باستلام أواني منزلية، و60 جوال دقيق زنة (25) كيلو في العام 2023، لمجموع 134 أسرة داخل المخيم.
وقالت جودة الله في حديثها لـ”أفق جديد”، لدينا أعداد كبيرة من النازحين قادمين من الخرطوم، الفولة، وبابنوسة، لا يجدون ما يأكلونه في ظل فصل الشتاء، وبعض الأسر ينامون دون طعام، والبعض ينتظر أصحاب المبادرات الخيرية لتوفير وجبة اليوم التي نقوم بإعدادها داخل المخيم “.
وأوضحت جودة الله، أن المفوضية، رفضت تقديم أي خدمات للمخيم، بحجة أن الموجودين مهجرين وليسوا بنازحين، رغم تسليم المدير التنفيذي لمحلية النهود قائمة بأسماء النازحين بمناطق نزوحهم.
وأضافت، “تم تحويلنا إلى مفوضية العون الإنساني، وعندما ذهبنا إلى الشخص المعني طلب منّا الحضور إليه في يوم مُعين لأداء القسم لإثبات حقيقة أن الموجودين نازحين وعندما ذهبنا إليه في الموعد لم نجده وما زلنا عند محطة انتظار المسؤولين “.

عشة صغيرة
بالنسبة لعاطف أحمد، (36) عامًا، الذي كان يسكن في بناية متعددة الطوابق في مدينة “جياد” الصناعية، فقد وجد نفسه بين النزوح داخل بيت من القش في محلية النهود بولاية غرب كردفان التي وصل إليها بعد مُعاناة ومشقة.
يقول أحمد لـ”أفق جديد”: “عايشت كل المآسي جئت إلى هنا منذ العام 2023، ولم أجد شيء. هناك تقصير تجاه النازحين من قبل القائمين على أمر البلد لم يزورونا حتى ولم يقدموا لنا شيء”.
وأضاف: “داخل المخيم المبني من القش، أحمل أطفالي عند هطول الأمطار، إلى مكان أكثر دِفئًا وأمنًا، وعندما يتوقف تساقط المياه الذي يتسرب من ثنايا القش، أعود بهم إلى القُطية الصغيرة “.
وتابع: “فقدت كل ممتلكاتي عقب اندلاع الحرب، بسبب سرقة أثاث المنزل، وركشة وموتر تكتك. وحملت فقط ملابس أطفالي، لكن رغم ذلك النهابون سرقوها قبل وصولي إلى مدينة الأبيض”.
ولم يتلق محرر “أفق جديد”، أي تعليق من سلطات محلية في النهود، أو مفوضية العون الإنساني، رغم ملاحقتنا لهم بالاستفسارات المتكررة حول تردي الأوضاع داخل مخيمات النزوح، وعدم تلقي النازحين حصصهم الغذائية.
وحول عملية النهب التي تعرض لها عاطف وآخرون في جبل كردفان عند مدخل مدينة الأبيض يروي بالقول: “في طريقنا إلى النهود تعرضنا لعملية نهب في جبل كردفان وكادوا أن يقتلونني عندما حاول أحدهم التحرش بزوجتي أمسكت يده ودفعته عنها ليطالبه أحدهم بذبحي فقلت لهم اذبحوني فلو فعلتم أو لم تفعلوا فأنا في كل الأحوال مذبوح لكن لا تقترب من زوجتي، بعدها وضعوا السلاح على رأس طفلتي الصغيرة وهددوا بقتلها حال لم أسلمهم ما عندي من نقود”.
وأضاف: “بعد وصولنا إلى الأبيض ذهبت لتبليغ الوحدات العسكرية وتم القبض على سائق البص واثنين آخرين كانوا مشاركين في عملية النهب وبعد التحري معهم وجدوا ما يثبت تورطهم وبعد حصر جملة المنهوبات التي بلغت 21 مليون جنيه، وعدونا في قسم الشرطة بمحاسبة المتهمين ولكن فوجئنا في اليوم التالي بإطلاق سراحهم في ظروف غامضة وربما مقابل مبلغ مالي لتلحق بجملة البلاغات الأخرى التي ذهبت في ذات الاتجاه”.
وتابع: “طرقت كل أبواب المسؤولين داخل محلية النهود دون جدوى. ذهبت بنفسي إلى المحلية التي طالبتني بالرجوع إلى اللجنة داخل المخيم وتسجيل اسمي، لكن رغم ذلك لم أتلق شيئاً. واضح أن هناك عدم عدالة في توزيع الإعانات”.
ودعا عاطف أحمد الأطراف المتحاربة لوضع حد للمأساة، ومضى قائلًا: “أي زول في الخرطوم أو الجزيرة عايش ويلات الحرب ومن هنا أدعوا المتحاربين إلى ضرورة الكف عما يفعلونه الآن ويجب عليهم الشعور بمآسي أبناء شعبنا ويحنوا على الأطفال والنساء والعجزة حتى ولو كانت بينهم ضغائن شخصية. الحرب طاحنة دمرت البلد وما كنا نتخيل في يوم من الأيام أن نعيش هذا الكابوس”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى