قرى النيل الأبيض المنسية
وسيلة حسين
يبدو “همام” شديد القلق وهو يترصد أخبار ذويه الشحيحة في منطقة “المحيريب” على النيل الأبيض، التي تقبع في المنتصف على بعد 70 كيلو مترًا بين جبل أولياء شمالًا ومدينة القطينة جنوبًا.
تأتي الأخبار المتأخرة أن خالته أصيبت بطلق ناري في قدمها وأن جموع الشبان في سنه يحبسهم عناصر الدعم السريع في مدرسة القرية، وأن القرية نفسها محاصرة منذ يومين بعد أن نهب الجنود وسائل اتصال “ستار لينك” الخاصة بالمواطنين. ولا يعرف همام بعد يومين من هذه الأخبار المتأخرة مصير أسرته، هل نزحوا، أم أنهم لا يزالون عالقين في الحصار.
وتشن قوات الدعم السريع، منذ أسبوعين هجوما شرسًا وقاسيًا على قرى شمال ولاية النيل الأبيض، خلف موجات نزوح عالية. وأظهرت مقاطع فيديو مبثوثة على مواقع التواصل مئات السكان وهم هائمون على الأقدام بحثًا عن مناطق آمنة بعد هجمات مصحوبة بأعمال نهب وترويع تعرضت لها قرى قوز الخنجر والشكيري وطيبة والقويز، بمحلية أم رمتة.
وتهاجم قوات الدعم السريع القرى من مناطق تمركزها في جبل أولياء جنوبي الخرطوم، ومن منطقة العلقة على بعد 100 كيلو متر شمال غرب الدويم، في عمليات خاطفة، تمارس خلالها النهب والترويع وتهجير السكان.
وأكد شهود عيان أن قوات الدعم السريع هاجمت منطقة قوز الخنجر على بعد 12 كيلو مترًا عن العرشكول حيث تتمركز قوات الجيش.
وأفاد التحالف الديمقراطي للمحامين، في بيان 12 فبراير 2025، أن قوة مدججة بالأسلحة الفتاكة منسحبة من ولاية الجزيرة اجتاحت قرى وحدة نعيمة الإدارية وما جاورها شمال ولاية النيل الأبيض – حوالى 22 قرية – الاجتياح تم بواسطة قوات الدعم السريع المنسحبة من ولاية الجزيرة على متن المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة، مستهدفة المواطنين العزل بطريقة مخطط لها مسبقا يراد منها القتل على الهوية والتنكيل والسبي وانتهاك الحرمات ونهب الأموال والممتلكات والتهجير القسري وإذلال المواطنين والمواطنات وإخفاء بعضهم وأخذ البعض رهائن والمطالبة بفدية مقابل إعادتهم.
وبحسب البيان الذي اطلعت عليه “أفق جديد” فقد سقط أكثر ثلاثين شخصًا تمت تصفيتهم في مناطق الجمالاب ونعيمة وغيرها، إضافة إلى مقتل قرابة 15 آخرين غرقًا في مياه النيل الأبيض أثناء هروبهم بقارب من بطش “الجنجويد”. بحسب وصف البيان، فضلًا عن اقتياد 8 رجال كرهائن، والمطالبة بمبلغ 7 ملايين جنيه مقابل إطلاق سراح الفرد الواحد.
وقال البيان إن مواطني تلك المناطق جميعهم يتعرضون لإصابات مميتة من طيران الجيش السوداني الذي يطارد تلك القوات، وقتل وجرح نتيجة ذلك عدد من المواطنين.
وتمثل قرى النيل الأبيض واحدة من أفقر المناطق في السودان وبقيت منذ اندلاع الحرب كجزيرة منسية، دون مساعدات.
وبحسب همام ففي البداية، نزح الأهالي إلى منطقة أبو قوتة في الجزيرة، وبعد سقوطها في يد الدعم السريع عادوا ادراجهم قافلين، ليتعايشوا مع مضايقات عناصر الدعم السريع وقلة المؤن وفقدان المساعدات، وانقطاع المياه والكهرباء بالشهور الطويلة. ويضيف همام لـ”أفق جديد”: “نحن منسيون في الحرب وفي أوقات السلم”.
نزح همام باكرًا إلى عطبرة مرورًا بفترة نزوح قصيرة في مدينة ود مدني بعد أن فقد عمله في السوق الشعبي بالخرطوم، وبقيت أسرته بالقرية تحاول التعايش مع هجمات الدعم السريع المتوالية مرة بعد مرة.
ويقول همام: “نعتمد في معاشنا على الزراعة المطرية وأموال المغتربين من أبناء القرية”. ومن ثم يضيف: “في البداية كانوا ينهبون الهواتف وأخذوا 17 بقرة من خالي”.
ويخبر همام أنه ممتعضٌ لما يحدث ويتساءل: “إلى متى سنظل منسيين؟”.