المساومة التاريخية.. وشراء المستقبل  (2)

من على الشرفة

طاهر المعتصم

taherelmuatsim@gmail.com

طاهر المعتصم
طاهر المعتصم

في جلسة مجلس الأمن في نوفمبر 2022، ضمن تنوير ممثل الأمين العام للأمم المتحدة للسودان، استخدم عبارات (رغم كل هذا هناك ضوء في آخر النفق، تمثل في قيام الصحفيين السودانيين بانتخابات نقابتهم)، تلك التجربة التي دونت في مضابط مجلس الأمن الدولي، جاءت نتاج مساومة قامت بها الأجسام الصحفية على مدى عامين، وبجهد الحادبين من كبار المهنة على سبيل المثال المرحوم محجوب محمد صالح، والأستاذ فيصل الباقر، هذا الجهد جعل عدد أبناء مهنة المتاعب المنضوين تحت مظلة النقابة 2700 زميلة وزميل.

في العام 1955 جرت مساومة أكبر بين الحزبين الكبيرين (الاتحادي والأمة)، إذ غير الراحل إسماعيل الأزهري بوصلة الحزب الوطني الاتحادي من الدعوة للاتحاد مع الجارة مصر، الى الاستقلال التام، ليقف مع حزب الأمة القومي الذي رفع شعار (السودان للسودانيين)، فتحقق خروج المستعمر ورفع علم السودان. مثل هذه التجارب ظهرت في (تشيلي، جنوب إفريقيا، الأرجنتين، وروندا) وعدد من الدول التي خطت نحو المستقبل.

اللحظة التاريخية في السودان هي الأكثر تعقيدًا، وقد وصلت البلاد إلى الجانب الآخر من النهر، وظهرت ملامح الفشل المتراكم للنخب السودانية، مثلما كتب الراحل دكتور منصور خالد، الصراع السياسي بين القوى السياسية والمدنية وبين أحد أجنحة الإسلام السياسي (المؤتمر الوطني) أدخل البلاد في نفق مظلم، جيش البلاد المدخر لحماية حدودها، دخل في حرب لا تبقي ولا تذر مع الجنين غير الشرعي لفترة حكم الإخوان، وفي الأنباء أن روسيا قد وجدت موطئ قدم في ساحل البحر الأحمر، في توسعة للصراع الخارجي على السودان.

سناء حمد القيادية بالحركة الإسلامية، قالت في لقاء مع أحمد طه في قناة الجزيرة، إنهم لا يمانعون في التفاوض مع الدعم السريع، لكنهم لا يمكن أن يجلسوا مع القوى السياسية والمدنية المشكلة لتحالف (تقدم)، والقوى السياسية والمدنية مستعدة للجلوس مع العسكر ولكن لا تستطيع أن تجلس مع الإسلاميين، هذا مثال لشدة الخلاف بين معسكرين.

الصراع المحتدم ستكون من نتائجه تقسيم السودان، فقوات الدعم السريع ذات المرجعية الإقليمية، بصدد تأسيس حكومة موازية، بدعم من بعض المدنيين، رغم رفض كثير من القوى السياسية والمدنية التي تقف ضد الحرب. أأيقاظ بني أمية أم نيام، ونحن على أعتاب شهر رمضان الكريم، موعودين برؤية الهلال مختلفًا في حكومتين على أرض السودان، بغض النظر عن اختلافنا حول الشرعية والاعتراف الدولي، لكن هذا واقع قريب للأسف الشديد، وضحايا الدعم السريع لسنوات خلت من أبناء دارفور سيكونوا ضمن مناطقه وإن ننسى لن ننسى أن هناك منطقتين خارج سيطرة الدولة السودانية منذ أكثر من عشر سنوات، جزء من جنوب كردفان، وجزء من جبل مرة، لتصبح منطقة الدعم السريع هي الرابعة لا قدر الله.

إذا نحن أمام أزمة كبرى تهدد وحدة السودان أرضًا وشعبًا، وقد قاد فشل نخبة الإسلام السياسي قبل سنوات إلى فصل حوالى ثلث البلاد (جنوب السودان)، وقديمًا قيل (من جرب المجرب حاقت به الندامة، لذلك مطلوب من الشخصيات السودانية المستقلة – وهم كثر – أن يضطلعوا بدورهم ويلبوا نداء الوطن، بأن يقودوا المسير نحو مائدة مستديرة، يقال لمن أخطأ أخطأت، ويتحمل وزر خطأه، وينصتوا لعلماء السودان، بضرورة قيام عقد اجتماعي واقتصادي وسياسي، وملامح بناء أمة، وقواعد قيام دولة وطنية، ليس للخارج يدًا في تحريك دماه فيها، بالعمل على استعادة الفضاء السياسي والثقافي، بعدالة انتقالية وعدالة ترميمية، وجيش وطني واحد محترف، وبتفاصيل أكثر ليس المجال مجال تفصيلها، لشراء مستقبل للأجيال القادمة، بتنمية متوازنة واستقرار وسلام، السودان يستحق أن يتنازل الجميع من أجله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى