حكايات البقاء والهروب والأمل
تقدم الوجبات الساخنة بمشاركة أكثر من 200 متطوع عبر المطبخ الخيري بالجريف غرب
تجميد المساعدات الأميركية تسبب في إغلاق 80 في المائة من مطابخ الطعام الطارئة حسب تقارير دولية
من المتوقع خلل الفترة المقبلة إغلاق أكثر من 1100 مطبخ جماعي تأثرا بتجميد المساعدات الأمريكية
أفق جديد
كان على “فتحية أحمد” (42) عامًا أن تتجه مع رفيقاتها شرقًا باتجاه مناطق “عد بابكر” و”تلال” و”الوادي الأخضر” سيرًا على الأقدام، هربًا من الرصاص والقصف العشوائي، إثر اشتداد المعارك في منطقة “الحاج يوسف” وأحياء محيط جسري “المنشية” و”سوبا” خلال الفترة الماضية.
تقول فتحية لـ “أفق جديد”، “هربنا من أحياء الحاج يوسف بسبب العنف والرصاص والمعارك العنيفة بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع”، واتجهنا إلى شرق النيل بحثًا عن الأمان.”
وأضافت، “ندعو لتوفير الغذاء والدواء. الوضع كارثي ويتطلب تدخل من المنظمات الإنسانية.”
من جهته يقول مهدي الشيخ (52) عامًا، يسكن مدينة الصحفيين مربع (20) بمنطقة الوادي الأخضر، “لم أغادر منزلي منذ بداية الحرب منتصف أبريل 2023.”
وأضاف الشيخ في حديثه لـ”أفق جديد”، “تحملنا انقطاع الكهرباء والمياه وانعدام الأدوية لفترة اقتربت من العامين، واضطر الناس لحرق أثاث المنازل لطهي الطعام.”
وتابع، “لا أدري كيف قاومنا الوضع المأساوي. لكن نجونا بوصول قوات الجيش السوادني والبدء في تركيب محولات الكهرباء وصيانة محطات المياه.”
من جهته تقول آمنة الهادي (46) عامًا التي تسكن منطقة “تلال”، “استقبلنا أهلنا النازحين من أحياء الحاج يوسف رغم أن المنطقة تعاني انقطاع الكهرباء والمياه منذ اندلاع الحرب.”
وأشارت الهادي في حديثها لـ”أفق جديد”، إلى أن الأوضاع تحتاج إلى توفير الغذاء والمياه الصالحة للشرب والدواء لتعود إلى الحياة إلى طبيعتها.
وأضافت، “الوضع صعب للغاية ولا يحتاج إلى الكلام. نطلب مساهمات فورية لتخفيف المعاناة الإنسانية.”
ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية، أطلقت غرفة طوارئ شرق النيل، نداءً إنسانيًا لتوفير احتياجات النساء والفارين من القتال الذي يدور في الأحياء السكنية في المنطقة الواقعة شرقي الخرطوم.
وشهدت المناطق الحضرية لأحياء شرق النيل، بما في ذلك الحاج يوسف والهدى وسوبا، معارك شرسة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” الذي طوق المنطقة في محاولة للسيطرة على جسري المنشية وسوبا شرق المؤديين إلى مدينة الخرطوم.
وناشدت غرفة الطوارئ، في بيان المنظمات الإنسانية والجهات المانحة والخيرين إلى المساهمة الفورية في تخفيف معاناة المتضررين.
وأشارت إلى أن الآلاف من سكان أحياء الحاج يوسف فرّوا إلى عد بابكر والوادي الأخضر والشقلة والمايقوما، تاركين خلفهم كل ما يملكون قبل أن يقطعوا مسافات طويلة سيرًا على الأقدام بحثًا عن مأوى آمن.
وأفادت بأن الوضع الإنساني يزداد سوءًا، بسبب تكدس الفارين في مواقع النزوح، حيث يجعل شهر رمضان توفير سلال غذائية ومياه شرب نظيفة وملاجئ آمنة احتياجات ملحة، إضافة إلى الرعاية الصحية والأدوية لأصحاب الأمراض المزمنة.
وينشط متطوعو غرف الطوارئ في تقديم الغذاء والأدوية لملايين السودانيين المتضررين من النزاع، لكنها تواجه في الفترة الأخيرة نقصًا حادًا في التمويل، مما أثر على مئات الآلاف من السكان الذين اعتمدوا عليها منذ اندلاع النزاع القائم.
وذكرت غرفة طوارئ شرق النيل أن النساء يواجهن تحديات إضافية، بسبب نقص الاحتياجات الخاصة بهن، مما يستدعي استجابة فورية شاملة لتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة للنازحات.
وشدّدت على أن المواطنين في المناطق المستضيفة بذلوا ما في وسعهم لتقديم الخدمات، غير أن الوضع يفوق قدرتهم على الاستجابة، مما يجعل الدعم الإنساني الفوري ضرورة قصوى.
ودفع النزاع المندلع منذ 15 أبريل 2023، ملايين السكان إلى حافة المجاعة جراء تدمير سبل العيش؛ فيما يتفاقم الوضع مع القتال المستعر في أحياء الخرطوم والخرطوم بحري وشمال كردفان.
وقال عضو غرفة طوارئ تلال والوادي الأخضر، محمد عصمت، إن المنطقة شهدت تدفق آلاف النازحين الفارين من القتال بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” في أحياء الحاج يوسف والهدى والجريف.
وأوضح عصمت في حديثه لـ”أفق جديد”، أن الوضع الإنساني يحتاج إلى استجابة سريعة لمواجهة احتياجات الأطفال وكبار السن والمرضى.
كما ذكر الناشط الإنساني في غرفة طوارئ الجريف غرب، أنس عبد الحميد لـ”أفق جديد”، أن المطبخ الخيري بالمنطقة، ظل يقدم الوجبات الساخنة بمشاركة أكثر من 200 متطوع.
وأوضح عبد الحميد، أن المطبخ يقدم وجبة العدس، والأرز باللبن ومديدة الحلبة في وجبتي الفطور والسحور.
وحسب تقارير دولية فإن تجميد المساعدات الإنسانية الأميركية تسبب في إغلاق ما يقرب من 80 في المائة من مطابخ الطعام الطارئة التي أقيمت لمساعدة الأشخاص الذين تُركوا بلا مأوى، بسبب الحرب الأهلية في السودان.
والشهر الماضي، علَّقت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب فجأة جميع المساعدات الأميركية، لتحديد ما إذا كانت «تخدم المصالح الأميركية» أم لا، وتحركت لبدء تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وقال متطوعو الإغاثة إن “تأثير الأمر التنفيذي لترمب بوقف المساهمات المقدمة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لمدة 90 يوماً، يعني إغلاق أكثر من 1100 مطبخ جماعي”.
وتدير هذه المطابخ مجموعات تُعرف باسم غرف الاستجابة للطوارئ، وهي شبكة شعبية من الناشطين الذين حملوا مسؤولية الاستجابة للأزمات في أحيائهم.
وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من مليوني شخص يكافحون من أجل البقاء، تأثروا بهذا القرار الأميركي.
ووصفت أندريا تريسي، المسؤولة السابقة في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي أنشأت صندوق “تحالف المساعدة المتبادلة في السودان” لجمع التبرعات الخاصة بغرف الطوارئ هناك، تجميد المساعدات الأميركية بأنه “نكسة كبيرة”.
إلا أنها لفتت إلى أن الصندوق سيبذل كل ما في وسعه لسد الفجوة التي خلَّفتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، عن طريق محاولة الحصول على مزيد من التبرعات.
وحسب بيان صادر عن غرفة طوارئ المنطقة، فإن مجموعة مسلحة من قوات “الدعم السريع”، سرقت مؤخرًا، أكثر من 300 كرتونة من المكملات الغذائية الخاصة بالأطفال والحوامل والمرضعات وكذلك أكثر من 200 كرتونة زيت من مخازن غرفة الطوارئ بعضها خاص بقطاع غرب والبعض الآخر خاص بمركز صحي حي الإنقاذ (النهضة) تم تخزينه في مخازن الغرفة لتوفر الظروف الأمنية.