المسيرات.. ميدان جديد لصراع قديم
منذ اندلاع الحرب في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، شهد الصراع مراحل متعددة من التصعيد والتكتيكات العسكرية المتطورة. ومع دخول عام 2025، أضيف بُعد جديد للحرب: استخدام الطائرات المسيّرة (الدرونز) على نطاق واسع، ما أدى إلى تغيير قواعد الاشتباك، وإعادة تشكيل ميزان القوة بين الطرفين.
لقد بدأ استخدام المسيّرات في السودان بشكل محدود في الأشهر الأولى من الحرب، وظهرت تقارير عن لجوء الجيش السوداني إلى طائرات مسيّرة هجومية حصل عليها من تركيا وإيران، بينما اعتمدت قوات الدعم السريع على المسيّرات التجارية المعدّلة، التي حصلت عليها عبر شبكات تهريب معقدة. لكن خلال الأشهر الأخيرة، تحوّل هذا الاستخدام من تكتيك ثانوي إلى عنصر رئيسي في المعارك، مما يشير إلى أننا أمام “حرب مسيرات” حقيقية، شبيهة بما حدث في نزاعات مثل حرب أذربيجان وأوكرانيا.
إحدى أبرز سمات حرب المسيرات في السودان هي طبيعتها غير المتكافئة. فالجيش السوداني يمتلك منظومة دفاع جوي تقليدية، لكنه يواجه صعوبة في التعامل مع أسراب المسيّرات التي تطلقها قوات الدعم السريع، خاصة في المناطق الحضرية. في المقابل، تعتمد قوات الدعم السريع على المسيّرات لضرب مقرات القيادة، واستهداف الأرتال العسكرية، وحتى تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة.
المؤشرات القادمة من ميدان القتال تُظهر أن الدعم السريع نجح في تقليص فجوة القوة الجوية التي كانت في صالح الجيش، عبر الاستخدام المكثف لمسيّرات هجومية انتحارية واستطلاعية، مما أجبر الجيش على تغيير استراتيجياته الدفاعية. فبعد أن كان الجيش يعتمد على سلاح الطيران لضرب مواقع الدعم السريع، باتت قواته في حالة استنفار مستمر للتعامل مع الهجمات الجوية المفاجئة التي تشنها المسيّرات على قواعده العسكرية ومخازن الأسلحة.
لا يمكن فصل تصاعد حرب المسيرات عن عوامل الدعم الخارجي، حيث تدور تساؤلات حول الجهات التي تمد الطرفين بهذه التكنولوجيا. التقارير تفيد بأن الجيش حصل على مسيّرات متطورة من دول مثل إيران وتركيا، بينما تشير مصادر أخرى إلى أن الدعم السريع يعتمد على شبكة إمداد تشمل تهريب مسيّرات تجارية صينية معدّلة عبر دول الجوار. هذه العوامل تفتح الباب أمام احتمالات تصعيد أوسع، إذ أن امتلاك كلا الطرفين لتكنولوجيا المسيرات قد يؤدي إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، بدلًا من حسم سريع للصراع.
مع استمرار تزايد دور المسيّرات، قد نشهد تحولًا أعمق في طبيعة الحرب السودانية. فالدروس المستفادة من النزاعات الأخرى، مثل أوكرانيا، تشير إلى أن السيطرة على المجال الجوي عبر المسيّرات يمكن أن تكون عاملًا حاسمًا في كسب الحرب، ولعل ذلك وضح من خلال التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش في الفترة الأخيرة. ومن هنا، ربما يدخل السودان مرحلة سباق تسلح غير تقليدي، يتمحور حول تطوير الدفاعات المضادة للمسيّرات، وتحسين تقنيات التشويش الإلكتروني، وحتى محاولة تصنيع مسيّرات محلية.
لكن الأخطر من ذلك، أن هذا التطور قد يزيد من معاناة المدنيين، حيث تصبح المدن الكبرى ساحة مفتوحة لحرب المسيّرات، مما يرفع من أعداد الضحايا، ويزيد من تدمير البنية التحتية.
في النهاية، يثبت دخول المسيّرات إلى ساحة المعركة السودانية أن هذه الحرب لن تبقى على حالها، بل ستشهد تحولات نوعية قد تغيّر مجرى الصراع، وتعيد رسم خرائط القوة بين الطرفين، وربما تُدخل السودان في مرحلة جديدة من النزاع المسلح، أكثر تعقيدًا خطورة مما سبق.