عامان من الحرب .. مزيج فتّاكٌ من النزوح الهائل وتضاؤل الآمال
عطبرة – حسين المنصور
عامان من الجحيم عاشهم الشعب السوداني، كل شيء مضطرب، لاشئ ثابت الخوف من المجهول هو المسيطر على الجميع لا احد يستطيع التنبؤ بما يحدث غدا، فالمشهد العسكري والسياسي يعيش تقلبات تكاد تكون يومية، الثابت الوحيد هو صوت المدافع والرصاص مضاف اليه الطائرات في غرب السودان والمسيرات في شماله، عامان من الوعود بالنصر، وقرب انتهاء الحرب، والواقع يقول أن نحو 13 مليون شخصإ اضطروا للفرار من ديارهم حتى الآن، وبينهم 4 ملايين شخصٍ عبروا الحدود إلى دول الجوار مثل مصر، وجنوب السودان، وتشاد، وليبيا، وإثيوبيا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى أوغندا.
و تقول المفوضية السامية لحقوق الانسان بمناسبة مرور عامين على الحرب النازحون واللاجئون يُبلغون عن تعرّضهم للعنف الجنسي وانتهاكات حقوق الإنسان بشكلٍ منهجي، فضلاً عمّا شهدوه من مجازر مروّعة. ويمثل الأطفال نصف الأشخاص النازحين، وبينهم الآلاف ممن نزحوا دون أسرهم. وقد أصبح السودان الآن البلد الذي يتحدّر منه العدد الأكبر من اللاجئين على مستوى القارة الإفريقية
.
وتضيف في مقالة نشرتها على موقعها باللغة العربية أن الصراع الدموي – الذي لا توجد بوادر تشير إلى انحساره – خلف وراءه معاناة هائلة، حيث شتّت العائلات، وأثر على مستقبل الملايين، ووضع استقرار المنطقة بأسرها في دائرة الخطر. ومع استمرار نموّ أعداد النازحين، تتزايدُ الاحتياجات أكثر من أي وقت مضى.
ويتفق مع المفوضية السامية لحقوق الانسان صديق فضل المولى الذي وجدناه في سوق عطبرة يفترش أمامه عدد من الخضروات ينادي عليها بصوت مبحوح وعيون ذائغة دونما استجابة واضحة من المارة، فقال بعد ان رفض ان يتم تصويره، كل شيء تبدل خلال هذين العامين الحياة لم تعد هي نزحت الى هذه المدينة قبل اكثر من عام آتي يوميا الى السوق لابيع الخضار، حتى اوفر الطعام لاسرتي وبعض الالتزامات التي يحتاجونها اسكن واطفالي في دار إيواء لأننا لانستطيع ان نستأجر منزلا منفصلا، ويضيف لـ” أفق جديد” سابقا كنت اظن انها حرب لها نهاية ولكن من الواضح ان ذلك الزعم كان مجرد حلم هذه الحرب هي حرب بلا نهاية ولا ميدان ثابت فهي متحركة.
تستضيف مدينة عطبرة شمال العاصمة الخرطوم ما لايقل عن 800 الف نازح بحسب مصادر في الأجهزة الرسمية في المحلية مما شكل ضغطا كبيرا على الخدمات في المدينة الصغيرة التي لم يكن عدد سكانها قبل الحرب يتجاوز 130 الف نسمة، ويمضي المصدر قائلا حاليا بعيش في المدينة قرابة المليون نسمة وهو عدد ضخم، ويمضي المصدر قائلا تلك القفزة اثرت كثيرا على جميع الخدمات المقدمة من المحلية، وشكلت ضغطا كبيرا على الامن والاستقرار، وبعد تنهيدة طويلة يردف لم نكن نخطط لاستضافة كل هذا العدد لكل هذا الوقت، في الشهور الأولى للحرب قيل لنا انها ستنتهي قريبا، ونحن الان نمضي ناحية العام الثالث وجب التفكير في وضع خطط جديدة تقوم على إيجاد مقرات ثابتة للنازحين الذين من الواضح انهم سبيقون لفترة طويلة.
ويضيف المضدر أن الوضع في المناطق التي تم استردادها من الدعم السريع لايشجع النازحين على العودة اذ تشهد تلك المناطق انفلات امني واضح مثل مايحدث في مدينة ود مدني التي عاد معظم النازحين الذين ذهبوا اليها مرة أخرى، وكذلك الوضع في الخرطوم لايختلف كثيرا عن مدينة مدني، وبالتالي طبقا للمصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه يتوجب على المجتمعات المضيفة للنازحين ان تتهيأ الى إقامة طويلة لهولاء فالاجهزة المحلية عليها ان تبني خططها على هذا المنوال.
و تقدّر دراسات أن عدد القتلى في الخرطوم وحدها تجاوز 150 ألفاً، منهم من قُتل نتيجة للعنف ومنهم من مات من الجوع والأوبئة التي سببتها الحرب فيما حذّر خبراء ومسؤولون في منظمات دولية ومحلية من تفاقم التأثيرات الكارثية للدمار الواسع الذي طال البنية التحتية والمنشآت العامة في السودان.
وقد تسببت الحرب في تدمير مرافق حيوية مثل الجسور والسدود، إلى جانب شبكات الكهرباء والمياه والمنشآت الصحية والتعليمية.ووفقاً لتقديرات غير رسمية، تتراوح قيمة الخسائر الناجمة عن تدمير هذه البنى والمنشآت بين 120 و150 مليار دولار.
ويرى العديد من الخبراء العسكريين الذين استنطقتهم “أفق جديد” ان الحرب في عامها الثالث ستكون اشد ضراوة من العامين السابقين وستتخذ اشكالا جديدة خاصة بعد ان كثف الطرفين استخدام سلاح المسيرات والذي سيجعل السودان كله ميدان عمليات عسكرية، ويرشح الخبراء بهذه التطورات أن يكون المشهد في السودان خلال عام الحرب الثالث حافلا بتصعيد ميداني واسع النطاق، ولا سيما مع إعلان قادة الجيش التحضير للهجوم على ولايات دارفور وكردفان، والتحشيد الواسع الذي انخرط فيه الدعم السريع.
ولا يستبعدهما الخبراء أن يقوم الدعم السريع بمهاجمة الولايات الشمالية مما يخلق واقعا جديدا في الحرب سيكون اكثر مأساوية من سابقه اذ ان ولايتي نهر النيل والشمالية تستضيف اعدادا ضخمة من النازحين، وكذلك هما اثنين من خمسة ولايات لم تصل اليها الحرب بشكل فعلي.