ذكرى المجزرة!

 

*”وفي الليلة السابقة للتنفيذ دعونا لاجتماع موسع حضره كل (أعضاء) المجلس العسكري  حضره كل من: 

(قادة) القوات النظامية والقوات المسلحة.

رئيس الأركان ومجموعته.

رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية.

مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني ونائبه.

مدير عام الشرطة ونائبه.

قائد قوات الدعم السريع.

وطلبنا أيضًا من السيد رئيس القضاء والنائب العام أن يحضروا هذا الاجتماع لتقديم المشورة القانونية.

(كل) الذين ذكرتهم كانوا في هذا الاجتماع، أخذنا الاستشارات القانونية اللازمة في كيفية التعامل مع مثل هذه الظروف الحساسة، وشاكرين السيد رئيس القضاء السيد النائب العام، قدموا لنا الاستشارات اللازمة ثم خرجوا، ومن ثم وجهنا القيادات العسكرية بالتخطيط لفض هذا الاعتصام وفق الإجراءات الأمنية والعسكرية المعروفة، القيادات العسكرية ذهبت ووضعت خطتها ونفذت وحدث ما حدث”. 

* التصريح أعلاه صدر عن عضو المجلس العسكري الانتقالي وقتها، شمس الدين كباشي، متحدثًا حول ما جرى في ساحة القيادة العامة يوم ٣ يونيو ٢٠١٩م من مجزرة وحشية بحق المدنيين، وهو يمثل بينة اتهام محددة وصريحة، تجاه كل من وردت أسماؤهم من جهات وأفراد، تورطوا في مجزرة فض اعتصام القيادة، وهو اتهام لن يسقط بالتقادم، ولا مجال للالتفاف عليه.

* ويمثل فض اعتصام القيادة في ٣ يونيو ٢٠١٩م “الذي حلت ذكراه السادسة يوم التاسع والعشرين من رمضان الماضي”، بكل الوحشية والدموية والغدر التي حملها، جريمة ضد الإنسانية وفق القانون الجنائي السوداني لعام ١٩٩١م، ووفق قانون القوات المسلحة لعام ٢٠٠٧م، ووفق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف لحماية المدنيين، وميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية، التي حرمت وجرمت كلها الجرائم ضد الإنسانية، واتفقت على تعريفها لهذا النمط من الجرائم بأنه: 

“هجوم واسع النطاق، أو منهجي، موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وارتكاب أفعال محظورة بقوة وتهديد السلاح، تتضمن مثل هذه الأَفعال القتل العمد، والإبادة، والاغتصاب، والعبودية الجنسية، والإبعاد أو النقل القسري للسكان، وجريمة التفرقة العنصرية”.

* هذه الجريمة لا تسقط بالتقادم، ولا تسقطها الحرب، ولن تقيد ضد مجهول، فمن خططوا ودبروا وأعطوا أوامر التنفيذ من قادة اللجنة الأمنية، من قادة الجيش والدعم السريع وجهاز الأمن والشرطة، قد اعترفوا على أنفسهم واعترافهم كما قرأنا في التصريح أعلاه مشهود وموثق، وقيادات الأجهزة العدلية والقضائية الذين باركوا التنفيذ وأعطوه المشروعية القانونية معلومين، وكذلك كل القوات التي شاركت في تنفيذ المجزرة معروفة، “بما في ذلك كتائب الظل معلومة بقادتها”، لن يبدل ذلك توزع الجناة كقيادات على ضفتي الحرب، ومن تورطوا في التخطيط لها هم قادة اللجنة الأمنية وقتها بأشخاصهم ومؤسساتهم التي يقفون على رأسها، منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.

* الجرائم ضد الإنسانية عرضة للعقاب محليًا ودوليًا، بصرف النظر عن ارتكابها وقت الحرب أو السلام، وهي من الجرائم التي لا تملك أي جهة سلطة إسقاطها أو قفل ملفها، فهي جريمة حق عام للدولة، حيث خالفت أجهزتها وقياداتها نصوص الدستور ومختلف قوانين الدولة، وهي كذلك جريمة حق خاص لذوي وأسر الشهداء، الذين يستطيعون مقاضاة كل من وردت أسماؤهم في تصريح الكباشي أعلاه، وكل المتهمين بتنفيذ تلك العمليات الوحشية على الأرض. 

* وللسودان تاريخ طويل من تفشي ثقافة الإفلات من العقاب، وإهدار العدالة، وإسباغ الحصانة على أفعال القتلة وحمايتهم بقوة الدولة، وما نعايشه حاليًا من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، هو النتاج الفعلي لسيادة شريعة الغاب ردحًا من الزمان.

* وأخيرًا هذه الحرب بكل جرائمها في وجه من وجوهها القبيحة المشوهة، هي ثمن فادح يتحمله الشعب، نتيجة لوجود المجرمين طلقاء بلا رادع والتهاون في مواجهتهم، وعدم المحاسبة وقصور العدالة عن ملاحقة من خططوا ودبروا ونفذوا وشجعوا على ارتكاب الجرائم، وعلى رأسها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي يتحمل وزرها الرئيس المخلوع وعدد ممن وجهت لهم المحكمة الجنائية الدولية الاتهام، وستبقى مثل هذه الجرائم التي راح ضحيتها مئات وآلاف المدنيين، حاضرة ولن تطوى آثارها ما لم تنفذ العدالة على من قاموا بها.

 

وائل محجوب

كاتب صحفي ومحلل سياسي معتمد لدى العديد من القنوات الفضائية العربية وله مساهمات نظرية في القوانين المنظمة لمهنة الاعلام، وقدم العديد من أوراق العمل والبحوث في محاصرة خطاب الكراهية وأخلاقيات مهنة الصحافة عمل مديرا لتحرير صحيفة الأيام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى