أسئلــة المستقبــــل المصيريـــــة

تشهد البلاد واحدة من أخطر الأزمات في تاريخها الحديث، حيث تحول الصراع المسلح الذي اندلع في أبريل 2023 إلى حرب استنزاف شاملة تهدد بزوال مقومات الدولة الأساسية. الواقع الحالي يرسم صورة قاتمة لدولة فقدت سيطرتها على معظم أراضيها، مع انقسام الساحة بين قوتين عسكريتين رئيسيتين وعشرات المليشيات المسلحة التي تنشط في مختلف المناطق.
في قلب هذه الأزمة، تبرز عدة إشكاليات جوهرية تطرح أسئلة مصيرية عن مستقبل البلاد؛ من بينها إشكالية الشرعية السياسية حيث لا يتمتع أي من الأطراف المتحاربة بشرعية دستورية أو شعبية. وكذا الأزمة الأمنية المتفاقمة مع انتشار السلاح والعنف ضد المدنيين. بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي الكارثي الذي تجلى في انهيار قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
المشهد العسكري الحالي يشير إلى حالة من الجمود، حيث لم يتمكن أي من الطرفين الرئيسيين من تحقيق نصر حاسم رغم مرور أكثر من عام على بدء المواجهات. هذا الوضع خلق بيئة خصبة لانتشار المليشيات وتفكك المؤسسات الأمنية، مما زاد من تعقيد الأزمة وجعل احتمالات الحل السلمي أكثر صعوبة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تعاني البلاد من أزمة غير مسبوقة. انهارت البنية التحتية بشكل شبه كامل، وتوقفت معظم الخدمات الأساسية، فيما يعتمد المواطنون على التحويلات المالية من الخارج لضمان الحد الأدنى من متطلبات الحياة. الأسواق الموازية لبيع السلاح والمخدرات انتشرت بشكل كبير، مما زاد من تفاقم الأزمة الأمنية والاجتماعية.
تمويل الحرب يظل أحد أكثر الجوانب غموضاً في هذا الصراع. بينما تشير بعض التقارير إلى اعتماد الأطراف المتحاربة على موارد داخلية كتهريب الذهب وبيع الأصول الوطنية، تظهر أدلة أخرى على وجود تمويل خارجي من جهات إقليمية لها مصالح في السودان. هذا التدخل الخارجي حول الصراع إلى “حرب بالوكالة” تتصارع فيها القوى الإقليمية عبر وكلاء محليين.
وفي مواجهة هذا المشهد الكارثي، تبرز عدة سيناريوهات رئيسية لمستقبل السودان، فصلتها ندوة مخصصة عقدتها أفق جديد للمفاكرة حول الأزمة والحلول.
المؤكد ضمن سيناريوهات البلاد أن دور المجتمع المدني سيظل محورياً في أي حل دائم للأزمة. رغم الانقسامات الحادة والتشرذم الذي تعانيه القوى المدنية، تبقى هناك فرص لإعادة توحيد الصفوف عبر الحوار الوطني الشامل. ونجاح أي مسار انتقالي مرهون بقدرة هذه القوى على تقديم بديل حقيقي يحظى بقبول شعبي واسع.
المؤكد كذلك أن التحديات التي تواجه السودان هائلة، لكن دروس التاريخ تؤكد أن الأزمات الكبرى قد تكون أيضاً فرصاً للتغيير الجذري. الخيارات الحالية صعبة وتتطلب شجاعة سياسية غير عادية من جميع الأطراف. السؤال المركزي الذي يواجه السودانيين اليوم هو: هل يمكن تحويل هذه المأساة إلى فرصة لبناء دولة جديدة على أسس ديمقراطية حقيقية، أم أن البلاد ستستمر في الانزلاق نحو مزيد من العنف والتفكك؟
الإجابة على هذا السؤال لن تحددها فقط موازين القوى العسكرية، ولكن أيضاً إرادة الشعب السوداني وقدرته على إيجاد صوت موحد يعلو فوق أصوات المدافع. المستقبل يبقى مفتوحاً أمام جميع الاحتمالات، لكن الوقت ينفذ بسرعة، وكل يوم يمر يزيد من تعقيد الأزمة ويصعب عملية إعادة البناء لاحقاً.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى