صحافة في خط النار.. هل أصبحت الحقيقة جريمة يعاقب عليها بالقتل في السودان؟

بين اغتيال مستهدف وقصف مباشر 31 صحفياً وإعلامياً قضوا نحبهم خلال الحرب الحالية

حالات الاعتقال والاحتجاز بلغت 239 كما دونتها نقابة الصحفيين فيما سجلت

556 انتهاكاً موثقاً منذ اندلاع الحرب أكثر من   1000 صحفي خارج دائرة العمل

في المنافي هناك أكثر من 500 صحفي يواجهون القيود ويحافظون على جذوة الحقيقة

بينما يحتفي العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، يجد الصحفيون السودانيون أنفسهم في قلب العاصفة، يدفعون ثمناً باهظاً للحفاظ على كلمة الحق وسط حرب ضروس حولت مهنتهم إلى جريمة قد يعاقب عليها بالقتل. فمع اغتيال الإذاعي حسن فضل المولى موسى مؤخراً برصاص قوات الدعم السريع في النهود، تدخل الصحافة السودانية عامها الثالث تحت وطأة نزاع لا يرحم، يضع سدنة الحقيقة وحراسها في مرمى النيران.

ما هو الثمن الباهظ الذي يدفعه الصحفيون السودانيون ثمناً للحقيقة؟

الأرقام التي وثقتها نقابة الصحفيين السودانيين خلال عامي الحرب ترسم صورة قاتمة للواقع المرير. فقد قضى واحد وثلاثون صحفياً وعاملاً في المجال الإعلامي نحبهم، سقطوا بين اغتيالات مستهدفة وقصف مباشر لم يميز بين مدني وعسكري. ولم تتوقف الانتهاكات عند القتل، بل طالت الاعتقالات والاحتجاز ما لا يقل عن مئتين وتسعة وثلاثين صحفياً وصحفية، فيما تعرض العشرات للضرب والتنكيل والملاحقة والتهديد، ليصل العدد الكلي للانتهاكات الموثقة ضد الصحفيين منذ اندلاع الحرب إلى خمسمئة وستة وخمسين حالة مروعة.

كيف دمرت الحرب بيئة العمل الصحفي ومؤسساته؟

لم تقتصر آثار الحرب على استهداف الأجساد، بل امتدت لتطال روح المهنة وبنيتها التحتية. فقد أدت الحرب إلى انهيار شبه كامل لبيئة العمل الصحفي، حيث تحولت مكاتب عشرات الصحف اليومية والمواقع الإخبارية إلى أنقاض، كما يكشف الصحفي عمرو شعبان. وتشير الأرقام إلى وجود أكثر من ألف صحفي وصحفية خارج دائرة العمل، معظمهم كانوا يعملون في مؤسسات الإعلام الرسمي التي إما توقفت أو قلصت نشاطها بشكل كبير، ليجد هؤلاء أنفسهم يتقاضون ثلث رواتبهم أو يُحالون إلى التقاعد دون تسوية مستحقاتهم، مما يفاقم من أزمتهم الإنسانية والمهنية.

هل يجد الصحفيون ملاذاً آمناً في المنافي؟

هرباً من جحيم الحرب والتهديدات المباشرة، وجد أكثر من خمسمئة صحفي سوداني أنفسهم في المنافي، منتشرين في دول الجوار والعالم. لكن المنفى لم يكن نهاية للمتاعب، بل بداية لتحديات من نوع آخر. يصف محمد الأسباط، رئيس تحرير صحيفة “مشاوير” من باريس، زملاءه بأنهم “ضحايا أبرياء لهذه الحرب” يواجهون “أبشع الانتهاكات”. ورغم القيود وصعوبات العيش في بلاد اللجوء، يحاول هؤلاء الصحفيون الحفاظ على شعلة الحقيقة، وكسر حاجز الصمت الدولي حول جرائم الحرب المرتكبة في بلادهم، كما يروي الصحفي عبدالرحمن العاجب من العاصمة الكينية، مشيراً إلى صعوبة العمل في ظل انقسام مجتمعي حاد يجعل الحياد شبه مستحيل.

ما الدور الذي تلعبه نقابة الصحفيين في مواجهة هذه الكارثة؟

في خضم هذه الظروف العصيبة، تؤكد نقابة الصحفيين السودانيين أنها لم تقف مكتوفة الأيدي. تشدد إيمان فضل السيد، سكرتيرة الحريات بالنقابة، على أن النقابة كانت حاضرة في الصفوف الأمامية، تعمل على توثيق الانتهاكات وحماية الصحفيين والدفاع عن حقوقهم قدر المستطاع. وتدعو النقابة الزملاء والزميلات في الداخل والخارج إلى التمسك بروح التضامن وتشكيل شبكات دعم ومبادرات مشتركة لإعادة صوت الصحافة السودانية ودورها، مؤكدة أن حرية الصحافة “ليست منحة، بل ثمرة نضال طويل، وستبقى كذلك”.

كيف تغيرت طبيعة المخاطر التي تهدد الصحافة بين الأمس واليوم؟

يرصد الصحفي عمرو شعبان التحول الجذري في طبيعة التحديات. فقبل الحرب، كان الصحفي السوداني يناضل ضد “أشواك الرقابة الموروثة” والتغلغل الأمني والعسكري، ويواجه صعوبات في الحصول على المعلومة ومقاومة التزييف والتضليل. أما اليوم، فقد برزت “أهوال جديدة”، حيث أصبح الصحفيون هدفاً مباشراً للقذائف الطائشة والاشتباكات المسلحة، ورهائن في يد الجماعات المتناحرة. لقد تحول التهديد من التضييق والاعتقال إلى خطر القتل المباشر، في بيئة يسودها الفوضى وانعدام الضمانات وتلاشي الحدود بين المدنيين والعسكريين.

هل يمكن للكلمة الصادقة أن تصمد في وجه الرصاص والدعاية؟

إن نقل الحقيقة في زمن الحرب يصبح، كما يصفه شعبان، “ضرباً من ضروب البطولة النادرة”. فالوصول للمعلومة محفوف بالمخاطر، والتحقق منها وسط ضباب الدعاية الكثيف يكاد يكون مستحيلاً. يضاف إلى ذلك الانقسام الحاد والاستقطاب السياسي الذي يجعل الصحفي النزيه عرضة للاتهامات والتشويه من كلا الطرفين. ومع توقف معظم المنصات الإعلامية المستقلة وانتشار المواقع مجهولة المصدر التي تخدم أجندات أطراف النزاع، يجد الصحفي المهني نفسه أمام خيارات صعبة. ورغم كل ذلك، يصر الصحفيون السودانيون، كما يؤكد عبد الرحمن العاجب، على أن “الكلمة الصادقة سلاحهم الأخير”، وأنهم يكابدون للحفاظ على حريتهم المهنية وإبقاء جذوة الحقيقة متقدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى