الحرب تطحن السودانيين.. وغرف الطوارئ آخر من يمسك بيد الضحايا قبل السقوط
أفق جديد
في ظل استمرار حرب السودان، تحولت “غرف الطوارئ” إلى واحدة من أبرز آليات العمل الإنساني المحلي، وتمكنت من ملء الفراغ الذي خلفه توقف الدعم الدولي وتعطل المؤسسات الحكومية، لتصبح صوتًا وذراعًا عمليًا للمجتمعات المنكوبة، عبر توفير حلول جذرية لاحتياجاتها الأساسية.
ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية، برزت “غرف الطوارئ” كرمز للأمل والصمود وطوق نجاة لإنقاذ آلاف النازحين والمحتاجين، في ظل الأوقات العصيبة، وسط أهوال الحرب والدمار.
وفي 30 أبريل الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي في السودان عن فوز شبكة غرف الاستجابة للطوارئ، والمعروفة شعبيًا باسم “غرف الطوارئ”، بجائزة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان لعام 2025، تكريمًا لجهودها الإنسانية المتواصلة في ظل الظروف المعقدة التي تعيشها البلاد.
تُمنح جائزة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان سنويًا لتكريم أفراد ومنظمات سودانية أسهمت في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتشمل مجالاتها الدفاع عن حرية التعبير، وتمكين المرأة، ودعم سيادة القانون، ونصرة الفئات المهمشة.
وجاء اختيار غرف الطوارئ لعام 2025 تأكيدًا على ما قدمته من نموذج نادر في العمل الإنساني المدني، في بلد يرزح تحت وطأة حرب مدمرة.
لم تقتصر إشادة المجتمع الدولي بغرف الطوارئ على الاتحاد الأوروبي فقط، إذ أعلن معهد أوسلو لأبحاث السلام في النرويج عن ترشيحه لهذه الشبكة لنيل جائزة نوبل للسلام لعام 2024، تقديرًا لإسهامها الكبير في حماية المدنيين، واستمرارها في تقديم المساعدة الإنسانية في واحدة من أخطر مناطق النزاع في العالم.
النشأة والتأسيس
تعود نشأة “غرف الطوارئ” إلى لجان المقاومة الشعبية التي تشكلت خلال ثورة ديسمبر 2019، التي أدت إلى إسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير. ومع تصاعد الصراع العسكري بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، تحولت تلك المبادرات من كيانات مقاومة إلى شبكات دعم مجتمعي حيوية، تعمل على توفير الحد الأدنى من احتياجات المدنيين المحاصرين بالحرب.
مع تعثر إيصال المساعدات الدولية وانعدام الممرات الإنسانية الآمنة، نجحت “غرف الطوارئ” في ملء الفراغ عبر تأمين الغذاء والدواء لآلاف المواطنين في مناطق النزاع، حيث أدت دورًا محوريًا في الاستجابة المحلية للأزمات، رغم ندرة الموارد وتهديدات مستمرة من القوى المتصارعة.
طوال عامين من الحرب، ظلت “غرف الطوارئ” حاضرة في المشهد الإنساني، تتحدى الملاحقات الأمنية التي طالتها من الطرفين المتقاتلين، ورغم ذلك استمرت في أداء دورها الحيوي على الأرض، من خلال تنسيق الجهود المدنية والإغاثية، في بلد يعاني من أزمة إنسانية متفاقمة.
إنجاز مشرق
وتقدم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود”، بالتهنئة إلى غرف الطوارئ والاستجابة الإنسانية بمناسبة فوزهم بجائزة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان لعام 2015.
وذكر التحالف المدني في بيان تلقته “أفق جديد”، أن “الإنجاز المشرق يعكس الجهود العظيمة والتفاني المستمر في خدمة الإنسانية، يجسد نموذجًا يحتذى به في الالتزام بالمبادئ والقيم الحقوقية رغم التحديات والظروف الصعبة”.
من جهته قال رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، “نهنئ كل المنخرطين في شبكة غرف الطوارئ على نيلهم جائزة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان لعام 2025. هذا تقدير مستحق وعرفان في محله.”
وأضاف في تغريدة عبر منصة (إكس) “هؤلاء الذين نهضوا – مدفوعين بالقيم الإنسانية والواجب الوطني – ليكونوا سندًا للضعفاء، وعونًا للمنكوبين. لم تمنعهم قسوة الواقع من أن يكونوا حيث يجب أن يكون الشرفاء: مع الناس في مدار المحنة.”
ظروف صعبة
من جانبها قالت المتحدث الرسمي باسم غرفة طوارئ شرق النيل، وعضو غرفة طوارئ ولاية الخرطوم، هند الطائف، إن “التحديات التي تواجه غرف الطوارئ كبيرة جدًا أهمها انعدام الأمن، والمتطوع أثناء ذهابه لتقديم الخدمة يمكن ألا يعود مرة أخرى. هناك مناطق وأحياء كثيرة يصعب الدخول إليها بسهولة، والعمل دائمًا ما يكون في ظروف صعبة ومعقدة تحت الخوف والقصف العشوائي.”
وأوضحت الطائف في حديثها لـ”أفق جديد”، أن “مجموعات غرف الطوارئ تعرضت لانتهاكات كثيرة، وفقدنا عددًا من المتطوعين، وانعدام الأمن كان هو التحدي الأكبر، بالإضافة إلى الشح الكبير في الموارد.”
وأشارت إلى أن “التمويل ليس بكافٍ، والمساعدات لا تصل بصورة منتظمة، لذلك تواجهنا صعوبات كبيرة في تقديم الخدمات للمواطنين في حدها الأدنى، لكن رغم ذلك استطاعت غرف الطوارئ الصمود والمواصلة لأنها اعتمدت على المجتمع نفسه”.
وأضافت، “الناس كانت بمثابة الوقود الحقيقي، ومجموعات كبيرة من المتطوعين والمتطوعات، فتحت منازلها لإقامة التكايا والمطابخ الخيرية وتقسيم الأدوار، ما أدى إلى نشوء شبكة اجتماعية متكاملة أسهم في تأسيس عمل مجتمعي ممتاز في الفترة الماضية”.
وأوضحت أن “التكايا والمطابخ الخيرية كانت من أكبر الإنجازات، لكنها تعتبر جزءًا من خدمات أخرى مثل إنشاء المراكز الطبية وتشغيل المراكز الصحية، وتوفير صيدليات في الأحياء وعمل أيام صحية وحملات إصحاح بيئي، وجمعيات نسوية ومساحات آمنة للنساء والأطفال”.
وتابعت، “كما خاطبنا منظمات إنسانية لاستقطاب الدعم لشراء الوقود لتشغيل آبار المياه لتوفير المياه النظيفة وتفادي استخدام مياه غير صالحة للشرب. كانت مجهودات كبيرة ولا زالت ونأمل تقديم المزيد بالقدر المستطاع”.
وأضافت: “النجاح ذاته أتى من مؤسسة مجتمعية كبيرة، ونأمل في إيقاف الحرب، لتسهم تلك المجتمعات ذاتها في إعمار البلاد مرة أخرى.”
وقالت المتحدثة الرسمية، إن “الجائرة تعني وصول صوت المواطن البسيط في السودان للعالم، وأن المُعاناة ليست في طي النسيان. والجائزة ليست تكريمًا لغرف الطوارئ، وإنما مسؤولية جديدة واعتراف رسمي بأن العمل المُنجز شيء عظيم. رغم الحرب توجد مجموعات بذلت جهدًا إنسانيًا حقيقيًا وعظيمًا لتوفير الخدمات للمواطنين”.
وأضافت، “الجائزة هدية للمتطوعين والشهداء والمعتقلين، ولكل الناس الذين تعرضوا للانتهاكات في الفترة الماضية لاختيارهم الوقوف مع أهلهم، وهي دليل على أن العمل القاعدي والمجتمعي يصنع الفرق في أسوأ الظروف”.
اعتراف دولي
من جهته يقول عضو غرف طوارئ جنوب الحزام، ومؤسس مبادرتي “قدح النبي” و”دفن الموتى” في الخرطوم، محمد عبد الله إدريس، إن “فوز غرف الطوارئ بجائرة الاتحاد الأوروبي هو تتويج واعتراف دولي بالجهود الإنسانية العظيمة والمجهودات الكبيرة التي يقدمها الشباب على أرض الواقع.”
وأضاف عبد الله في حديثه لـ”أفق جديد”، “رغم الانتقادات اللاذعة والاتهامات من طرفي الصراع لغرف الطوارئ بالانحياز لطرف من الأطراف، إلا أن الجائزة إنصاف وتقدير”.
وتابع، “الجائرة اعتراف بالجهود الإنسانية المحترمة التي تقدمها غرف الطوارئ، وكانت مبهجة ومفرحة، وسنحاول بذل المزيد من العطاء في المستقبل وسنكون جنودًا مخلصين في كل بقاع السودان إلى أن تضع الحرب أوزارها”.
ومنذ أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حربًا بين الجيش وقوات الدعم السريع، خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.