الحرب كخدعة كبرى: تفكيك خطاب الداعمين لاستمرارها وفضح التواطؤ ضد الثورة
بقلم محمد أحمد
في سياق الهروب المستمر من مواجهة حقيقة الأزمة السودانية والتجلي الراهن لها في شكل حرب مدمرة؛ وانكارًا لوصفها نتاجًا لانقلاب عسكري مضاد للثورة، يتسابق عدد من الكُتّاب الذين يدعمون استمرار الحرب لتسويقها بوصفها “غزوًا خارجيًا” مدعومًا من قوى إقليمية، وتحديدًا من دولة الإمارات العربية المتحدة. هذه السردية تُستعمل لتجريد الحرب من سياقها السياسي والاجتماعي، وتغليفها بلبوس سيادي-وطني زائف. لكن ما يُغفله أو يتجاهله هؤلاء، هو أن الإمارات ذاتها كانت وما زالت من أبرز الداعمين للانقلاب الذي نفذه الجيش والدعم السريع معًا في 25 أكتوبر 2021.
لقد وفرت الإمارات الدعم المالي والسياسي لهذا الانقلاب، كما أمدت الطرفين بمركبات استخدمت لقمع التظاهرات الثورية، وما تزال شركاتها تلعب أدوارًا اقتصادية محورية في مناطق سيطرة السلطة الحاكمة ببورتسودان، مثلما تستمر شراكتها التجارية مع الدعم السريع وشركاته في الذهب والنقل. فكيف تصبح هذه الدولة –التي كانت شريكًا في إجهاض الانتقال الديمقراطي– فجأة راعية لـ”غزو خارجي”؟ إن هذه المفارقة تفضح طبيعة الخطاب الذي يسعى لتبرئة النخبة العسكرية وتحميل الحرب لأطراف خارجية، في حين أن اشتعالها كان تعبيرًا داخليًا عن صراع على السلطة بين أطراف الانقلاب أنفسهم.
أولاً: اختزال الصراع وتغييب جذوره الطبقية والسياسية
يرتكز خطاب بعض الكُتّاب الداعمين للحرب على مغالطة كبرى: اعتبارها معركة وطنية وجودية، متجاهلين أن من فجّرها هم جنرالات الطرفين، الذين أداروا الدولة في تحالف وظيفي منذ 2019، وتقاسموها حتى تصادمت مصالحهم. الصراع لم يكن بين “جيش وطني” و”مليشيا خارجة عن الدولة”، بل بين شريكين في الانقلاب العسكري على الثورة، اتفقا على قمعها وتنازعا لاحقًا على الغنيمة.
ثانيًا: تبرئة الجيش من ارتباطه بالحركة الإسلامية
يتعمد هؤلاء، عبر سلسلة من القفزات المنطقية، نفي التداخل البنيوي بين قيادة الجيش الحاليّة وتنظيم الحركة الإسلامية. هذا نفي سافر للواقع:
فالجيش لم يُطهَّر من الإسلاميين؛ بل إن كبار ضباطه هم امتداد لمشروع التمكين.
التحالف بين المؤسسة العسكرية والإسلاميين لم ينكسر، بل أعيد ترميمه بعد انقلاب 25 أكتوبر، وتُوج بمسار الحرب الحالية كمشروع لاستعادة السيطرة الكاملة على الدولة.
ثالثًا: قلب سردية الثورة
يريد البعض أن يقنعنا بأن من يدير الحرب اليوم إنما يخوض معركة نيابة عن الشعب، ناسفين بذلك كل نضال القوى الثورية التي أسقطت البشير، وقدّمت الشهداء في مجزرة القيادة، وناضلت ضد الشراكة والانقلاب. في خطاباتهم لا وجود للثورة، ولا للشعارات التي وحّدت الناس في الشوارع: حرية، سلام، وعدالة.
رابعًا: الحرب كأداة سياسية لا كخيار دفاعي
حين نُفكّك الخطاب الرسمي المتماهي مع هذه الأطروحات، نرى أن الحرب لم تكن حتمية، بل أُديرت عمدًا:
لتصفية مسار الانتقال المدني.
لإعادة الدولة إلى السيطرة العسكرية المطلقة.
لتحييد القوى الثورية وتجريمها.
ولإرهاب الجماهير عبر التجويع، وتدمير البنية التحتية.
هنا تصبح الحرب مشروعًا سياسيًا فوقيًا، لا تعبيرًا عن معركة وطنية، بل وسيلة لفرض سلطة البندقية.
خامسًا: تزييف وعي الجماهير
الخطاب الذي يُروَّج له يعيد إنتاج أكذوبة كبرى: أن الجيش والشعب واحد، وأن الجيش يخوض حربًا نيابة عن الجماهير. لكن الواقع يقول إن من يموتون في القرى والريف وضواحي الخرطوم، هم المدنيون، وليس قادة الطرفين. إن ما يحدث هو استخدام للوطنيّة كشعار لخداع الجماهير وتفكيك وعيها، عبر شيطنة الآخر، وتغليف المصالح الطبقية للجنرالات والإسلاميين بلبوس “السيادة والاستقلال”.
وختامًا فإن هذا الخطاب المتواطئ مع استمرار الحرب هو جزء من الهجوم الأيديولوجي المنسّق الذي يهدف لتبرئة المؤسسة العسكرية من مسؤوليتها، وتحويل الصراع السياسي إلى سردية عاطفية – وجودية، تبرر عسكرة السياسة، وقمع كل صوت ثوري يسعى لحكم مدني ديمقراطي.
إننا نؤكد أن هذه الحرب ليست حربنا كشعب. إنها حرب القوى المضادة للثورة لتصفية ما تبقى من حلم الدولة المدنية.
وأن الانتصار الحقيقي لا يكون بانحياز أعمى لطرف مسلح، بل بانحياز واعٍ لجذور الثورة:
حرية – سلام – وعدالة