اثر (اللايفاتية) في استحضار شبح اذاعة التلال
من على الشرفة
طاهر المعتصم
أثر (اللايفاتية) في إستحضار شبح إذاعة التلال
بالتزامن مع إندلاع حرب الخرطوم في 15 أبريل من العام الماضي، تنامت ظاهرة إستخدام السوشيال ميديا عبر الظهور في بث مباشر ويطلق عليه ترجمته الإنجليزية
(Live)
من عدد من الشخصيات على بعض تلك المواقع ،متخذين من تأجيج خطاب بإستخدام مفردات من قاموس خطاب الكراهية، رافيعين شعار بالعامية السودانية (بل بس) أي هزيمة فقط.
ومع قرب دخول الحرب عامها الثالث بانت آثار هذا الخطاب في التسليح الأهلي العشوائي، بدعاوي ظاهرها حماية الأرض والعرض وباطنها شبح الإحتراب الأهلي.
أضحى تدريس مكافحة خطاب الكراهية في السنوات الأخيرة أمراً مهم، ودائماً يتوقف الغالبية عند النموذج الأبشع وفق وقائع محاكمات محكمة الجنايات الدولية التي إنعقدت في مدينة (اروشا) التنزانية عقب نهاية حرب التوتسي والهوتو في راوندا منتصف تسعينات القرن الماضي.
في أكتوبر /تشرين الأول من العام 1990، إنطلقت شرارة الحرب الأهلية الراوندية، إستمرت في فترتها الأولى المعارك حتى أغسطس 1993، بالتزامن كانت مفاوضات السلام تجري في الجارة تنزانيا من 1992 إلى 1993.
في السادس من أبريل 1994 أصيبت طائرة الرئيس الراوندي ونظيره البورندي بصاروخين مجهولي المصدر، وقتل جميع ركابها، في اليوم التالي إندلعت أحداث عنف براوندا، كان حادي ركبها والمحرض عليها (تلفزيون وإذاعة التلال الالف) عبر بيانات عنصرية ضد (التوتسي) ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقد وصفوا بالكفار وطالبوا بإجتثاث الأشجار الكبيرة، وأذاعوا إفادات مواطنين تبين أماكن إختباء التوتسي الفارين من الجحيم.
لم تتعثر المحكمة الجنائية الدولية في إصدار الأحكام على مثيري الكراهية المحرضين على الإبادة الجماعية في 100 يوم والتي بلغ ضحاياها حوالي 800 الف نسمة بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.
في الخرطوم إستيقظ سكانها صباح الخامس عشر من أبريل /نيسان 2023، على إشتعال الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي كانت تتبع له، ووصفت غير ذات مرة أنها من رحم الجيش، حتى اليوم لم يعرف من الذي أطلق الطلقة الأولى.
لكن المعلوم بالضرورة نزوح حوالي 9 ملايين من سكان العاصمة السودانية (الخرطوم) إلى مدن سودانية اخرى، ولجوء اكثر من 2 مليون نسمة إلى دول الجوار.
المراقب يجد أن إشتعال الحرب رافقه صعود عمليات البث المباشر لناشطين يؤيدون ويحرضون الأطراف المتصارعة،يبثون خطاب حماسي ينتقص من الطرف الآخر، مطلقين أوصاف مختلفة ذات مدلولات عنصرية وحمولات سالبة محتشدة بالكراهية، تدرجت لتصل القاع السحيق مؤججه خطاب جهوية من جهة يقدح في أهل غرب السودان ،ومن جهة يرمي بلؤم جهة أهل شمال السودان، ويتواصل السقوط نحو نعت القبائل بنعوت عنصرية، ولم تنجو النساء من الإستهداف بالعنف اللفظي عند بعض أصحاب البث (المباشر اللايفاتي)
ولأن لكل فعل رد فعل مساوي له في القوة ومضاد له في الإتجاه كما ذكر العلماء، إنعكس الأمر على مجموعات قبلية، أثارتها الإنتهاكات الجسيمة من قوات الدعم السريع تجاه المدنيين، وشحذت همتها خطاب الكراهية المستشري، فاعلنت عبر بيانات صادرة من بعض مجالس شورى القبائل عن اللجوء للتسليح الأهلي، وأيضاً حدث الأمر على الجانب الآخر من بعض المجموعات السكانية وإعلانها إنضمامها لقوات الدعم السريع ضد الجيش السوداني.
وصل الأمر إلى خطابات من نظار بعض القبائل تطالب بأن يغادر أرضها بعض من يعتقدون أنهم مختلفين معهم في وجهات النظر، وزيد على ذلك باتخاذ جهات حكومية أمر طوارئ (الوجوه الغريبة).
طال الزمن أو قصر ستتوقف هذه الحرب، بالنظر إلى الحروب الداخلية التي إندلعت في السودان خلال السبعين سنة الماضية، وبالنظر الى عديد من دول العالم، يصبح التحدي للباحثين في الاعلام كيفية التعامل مع خطاب الكراهية لدى بعض (اللايفاتية) على مواقع التواصل الإجتماعي في حرب 15 ابريل 2023 في السودان، وقياس أثر هذا الخطاب في توسعة رقعة الصراع المسلح والمخاوف من تحول الأمر إلى حرب جهوية أو أهلية، تذكر العالم بجرم تلفزيون وإذاعة التلال الراوندية التي أوقف بثها في 1994 وتم محاكمة بعض العاملين فيها.