نساء السودان وأطفالهن تحت وطأة نزوح مرير
وسيلة حسين
طوال 20 شهرا متصلة من الحرب الفوضوية في السودان، تحتمل النساء السودانيات أوضاعا شديدة البؤس ويعشن، رفقة أطفالهن، ظروفا مأساوية صعبة تحت وطأة الحرب الشاملة والنزوح المرير من دون مساعدات؛ حيث تدبر أغلب النازحات السودانيات شؤون الحياة بمفردهن بعد أن وجدن أنهن في واقع مختلف وتجربة وجودية جديدة لأول مرة، بالعيش في مراكز الإيواء بالمدارس وتحت خيوط الخيام والعمل في مهن هامشية كبيع الأطعمة وخدمة المنازل. ومع استمرار الحرب باطراد أكثر، تتدفق موجات النزوح المتزائدة نحو الولايات الآمنة، بحثا عن مأوى وكرامة وأمل وهربا من الاغتصاب والنهب والاذلال.
في خضم الشتات
سجلت مصفوفة تتبع النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية إحصاءً لـ9.9 مليون نازح داخليا فور إندلاع الحرب في 15 أبريل، أكثر من نصفهم من النساء، وأكثر من ربع النازحين من الأطفال، يعانون من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك اللجوء إلى العنف العرقي والاغتصاب والاغتصاب الجماعي كأدوات حرب، في حين تقول تقارير موثوقة إن عدد السودانيات النازحات تجاوز الـ11 مليون نازحة وبلغ رقم الأطفال النازحين 5 ملايين طفل.
وسجلت ولايات دارفور والخرطوم والجزيرة أكبر موجات للنزوح في الأشهر الأولى للمعارك، بنسب مرتفعة للنساء والأطفال؛ إذ تجاوز عدد الأطفال خارج العملية التعليمية 19 مليون طفل.
تؤكد منظمة الطفولة العالمية يونسيف في نشرة لها أن 1.6 مليون طفل وطفلة نازحين بحاجة إلى مساعدة، بما فيهم من يعيشون في المناطق المتضررة من النزاع. 61% من الأشخاص النازحين داخلياً في المخيمات هم من أطفال.65% من اللاجئين تقريباً في السودان هم أطفال. يعاني الكثير منهم من الصدمة قبل وأثناء رحلتهم إلى السودان، مما يعرض الأطفال لخطر أكبر من الإيذاء والاستغلال والعنف. يشكل الأطفال حوالي 60% من عدد الأشخاص النازحين.
وتضيف يونسيف، يعاني ما يُقدّر بـ 2.3 مليون طفل وطفلة من سوء التغذية وتُعزى تقريبا نصف حالات وفاة الأطفال دون سنّ الخامسة إلى سوء التغذية. ويعاني 694000 طفل وطفلة من سوء التغذية الحادّ الوخيم ويصارعون من أجل البقاء. من بين الولايات الـ18 في البلاد، تعاني 11 ولاية من انتشار سوء التغذية بنسبة تزيد عن 15% وهذه النسبة أعلى من عتبة الطوارئ حسب معايير منظمة الصحة العالمية. يعاني واحد من كل ستة أطفال في السودان من سوء التغذية الحادّ. يحتاج حوالي 820000 طفل وطفلة دون سنّ الخامسة إلى الحصول على الرعاية الصحية، بما ذلك التطعيم والخدمات المنقذة للحياة الأساسية. حوالي 36% من مرافق الرعاية الصحية الأولية في جميع أنحاء السودان هي مرافق غير صالحة تماماً للعمل، إما بسبب نقص في طواقم العمل أو بسبب تردي البنية التحتية المادية.
نزوح مطرد
وخلفت موجات النزوح الأخيرة في شرق الجزيرة، بعد تسليم القائد أبو عاقلة كيكل نفسه للجيش، أوضاعا بالغة السوء والقتامة، وتركت النساء خلفهن قصصا مروعة ومشاهد مرعبة لرحلة خروجهن من أكثر من 400 قرية، سيرا على الأقدام أو على ظهور الدواب لمسافات طويلة في طرق ترابية محفوفة بالخوف والخطر في سهل البطانة حتى وصلن، بعد رحلة شاقة لأيام قطعن خلالها ما بين 350 إلى 400 كيلو، إلى مدن الفاو والقضارف وحلفا وشندي.
تقدر الناشطة في العمل التطوعي وفاء بابكر، وهو اسم مستعار لدواعٍ أمنية، عدد النساء في مخيمات النزوح في الموجة الأولى بنحو 20 ألف، ضمهن مخيم عند مدخل مدينة شندي ومركز إيواء (مطبعة صلاح الارباب) في مساحة ٢ ألف متر مربع، إضافة لخمس مراكز إيواء أخرى في شمال وغرب المدينة في كبوشية والمسيكتاب، وحوش بانقا، وغرب النيل في محلية المتمة .
“تعاني المراكز من نقص حاد في مواد الإيواء والغذاء والعلاج والصرف الصحي والفوط الصحية وتهمل الأوضاع الخاصة بالنساء والأطفال”، تقول بابكر في حديث مع “أفق جديد”، ومن ثم تضيف: “نتج عن ذلك حالات إجهاض ووضوع مواليد دون حضور رعاية طبية كفاية وحالات وفاة في جميع المراكز نتيجة الإهمال”.
وتعاني الكثير من النساء والأطفال في المخيمات من حالات صحية متفاوتة أغلبها تتعلق بالتهاب الشعب الهوائية ونزلات البرد ومن أوضاع نفسية حادة نتيجة فقد ذويهن في رحلة الشتات الأخيرة بسبب العطش وحالات الكوليرا المتفشية، مع الغياب التام للزائرات الصحيات والنفسيات.
“وصلنا شندي بعد معاناة طويلة من الجوع والعطش” تقول النازحة صديقة بت الماجد (52) عاما في حديث مع “أفق جديد”، وهي تصب اللعنات على الحرب ومن ثم تضيف: “تركت زراعتي المطرية على وشك الحصاد في منطقة السديرة وأطلقت سراح غنمي حتى لا أتعذب بسببها يوم القيامة”.