“تقدم” تكتفي من عنتبي بـ”المعقول” لإستحالة “المأمول”
توسيع التحالف المناهض للحرب .. وعبد الواحد يسوق لـ"الجبهة العريضة"
إحالة ملف نزع الشرعية إلى آلية سياسية .. و وزير خارجية فرنسا يرفض زيارة بورتسودان
أفق جديد
أنهى تحالف القوى الديمقراطية المدنية المعروف إختصاراً بـ”تقدم” إجتماعات مارثونية في عنتبي الأوغندية ، مكتفياً بـ”المعقول”، بعد أن أدرك إستحالة تحقيق ” المأمول” فالتحالف الذي تنتاشه سهام مساندي النظام البائد، وتتنازعه أهواء بعض منسوبه في تجيير مواقفه الصلبة ضد إستمرار الحرب لتصرف لصالح أحد أطرافها، تمكن من عبور حقل الألغام الذي كاد أن ينسف تماسكه ، في أعقاب تفاهمات مع كتلة الجبهة الثورية المتوحدة خلف مقترح إعلان حكومة موازية لبورتسودان لتنازعها شرعيتها المتآكلة أصلاً، قضت بإحالة المقترح إلى آلية سياسية لإخضاعه للمزيد من التشاور والدراسة.
وانخرطت مكونات التحالف في إجتماعات مطولة مع رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد النور، الذي وصل الى عنتبي أمس الجمعة وإلتقى فور وصوله برئيس الهيئة القيادية لتقدم د. عبد الله حمدوك، مقدما رؤيته لتشكيل الجبهة الوطنية العريضة، التي تقوم على الحد الأدنى، تكون مهمتها الرئيسية هي العمل من أجل وقف الحرب، وتتلاقى رؤية عبد الواحد النور مع مقترح الجبهة الثورية القاضي بالسعي الجاد إلى نزع الشرعية عن حكومة البرهان في بورتسودان ، وإعلان سلطة موازية تتخذ من مناطق سيطرة الدعم السريع منطلقا لها، مما يوفر أحد اركان السلطة الأساسية الأرض والشعب، خاصة أن الأدبيات السائدة لدى أهل القانون ان ما يعرف بـ”حكومات المنفي” ليست موضوعاً في القانون الدولي ، لأنها لا تمارس سيطرة فعلية على المواطنيين وعلى الأرض، لكنها يمكن أن تلعب دور الجهاز التمثيلي للدولة، ويمكن للدول الأخرى الإعتراف بها بإعتبارها ممثلة للإرادة الوطنية، إذ إن ممارسة الحكم ليست معياراً لشرعيتها، ولذلك فإن “تقدم” تستطيع أن تجد السند الدولي لحكومتها اذا تشكلت، لأنها تتوافر على تحقيق المعايير الدنيا لوضع الحكومة المنصوص عليها في القانون الدولي، غير أن المرافعة المطولة التي قدمها د. عبد الله حمدوك ، وسانده فيها عدد من قيادات القوى السياسية يتقدمهم رئيس حزب المؤتمر السوداني ، عمر الدقير والقيادي بالتجمع الإتحادي بابكر فيصل إضافة الى آخرين والتي أستند فيها إلى شرح مطول لسلبيات وإيجابيات خطوة تشكل الحكومة في ظل حالة الإستقطاب المجتمعي الحالية وخطاب الكراهية السائد ، هزمت المنطق القائل بضرورة الإسراع في إعلانها وإخضاع المقترح للمزيد .
ويجد مقترح تشيكل حكومة موازية لتلك القائمة في بورتسودان مساندة من دول مؤثرة في الإقليم إلى جانب دولاً غربية أخرى في مقدمتها فرنسا التي رفض وزير خارجيتها الذي قام بجولة في دول الجوار رافضاً زيارة بورتسودان حتى لايكسب قائد الجيش شرعية ، بحسب تقرير نشرته صحيفة “آفريكا إنتلجنس” المقربة من الدوائر الاستخبارية ، و تؤيده بطرف خفي الولايات المتحدة الامريكية إذ طرحه مبعوثها على الأطراف على إستحياء اكثر من مرة.
ويعلل مساندي المقترح رؤيتهم بالإستناد اغلى الإنتهاكات الكبيرة التي يرتكبها الجيش في مناطق واسعة من البلاد عبر الطيران ،غير أنه وفي ظل الإنقسام الدولي الحالي من الصعوبة ان تجد الحكومة المقترحة تأييداً من الأمم المتحدة الامر الذي يجعل البلاد مقسومة بين حكومتين منقوصتي الشرعية، ووقائع التاريخ ، ان مناهضة الانتهاكات لا تمنح حق الإعتراف ، وهناك سوابق معروفة ، على سبيل المثال المجلس العسكري الحاكم في ميانمار، كان إرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ولكن ذلك لم يدفع أية دولة للاعتراف بحكومة “الائتلاف الوطني لاتحاد بورما” في المنفى، التي شكلها ممثلون برلمانيون منتخبون في الـ18 من ديسمبر (كانون الأول) 1990، بعد أن رفض المجلس العسكري تسليم السلطة إلى أون سان سو تشي التي فاز حزبها المعارض (الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية) بالانتخابات الوطنية عام 1990″
وتأسست «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتضم قوى سياسية ومدنية ونقابية ومهنية وحركات مسلحة، و«تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير»، الذي أسقط بالاحتجاجات الشعبية نظام الإسلاميين في أبريل (نيسان) 2019، وشكل الحكومة المدنية قبل أن يتم إسقاطه بانقلاب مشترك بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو في 25 أكتوبر2021
بالعودة الى أروقة الإجتماعات التي شهدت جدلاً قانونياً وسياسياً واسعاً والذي اتفق فيه الجميع على ضرورة نزع الشرعية عن حكومة بورتسودان التي عرضت أمن وسلامة البلاد الى الخطر، وباتت تسعى الى توسيع دائرة الحرب بدعوة بعض دول الإقليم الى التدخل المباشر لمساندتها ومساعدتها في القضاء على مليشيا الدعم السريع، لكن الجميع أجمع على أن ” المأمول” هذا لن يتحقق ويجب الاكتفاء بـ”المعقول” وهو توسيع دائرة القوى الرافضة للحرب ومحاصرة الاجندة الحربية بأجندة الحوار والسلام والعمل على محاربة خطاب الكراهية.