تدمير البيئة السودانية.. حرب غير منظورة
وسيلة حسين
يتحالف طرفا الصراع، الجيش والدعم السريع، على شن حرب عنيفة أخرى، موازية، أشد فتكا وضراوة، ضد البيئة ومكونات المجال الحيوي في السودان. بسبب من حربهما الفوضوية ونتيجة لها، تنشب، هذه الحرب المدمرة، في الخفاء وتعمل على قتل وسحل عناصر الطبيعة والفتك، دون هوادة، بالتوازن الحياتي الخلاق في سيرورته المعتادة، فخلال ما يربو عن 17 شهرا من الصراع المحتدم، لم يدخر المتحاربون جهدا في الحصول على السلاح الثقيل وتعويق كل ما من شأنه أن يحول وتحقيق الأهداف العسكرية، وإثر ذلك وُظِّفت البيئة بعناصرها (الهواء والماء والتربة) لخدمة الأهداف الحربية دون الاكتراث بالتكلقة الباهظة المترتبة على هذا الاستغلال.
انبعاثات سامة
“ما حاق بالبيئة في السودان يكاد لا ينظر حتى على المستوى المحلي في خضم الانشغال بالأزمة الإنسانية التي يمر بها السودانيون”. يقول الخبير في مجال البيئة ساري الحاج نقد متحدثا لـ”أفق جديد”.
وتمثل البيئة الحيز المكاني الذي يحوي الكائنات الحية بما فيها البشر، وتشغل حيزا وظيفيا للإنسان، حيث تتفاعل بحميع مكوناتها معه بما يحقق أهدافه وتطلعاته وآماله.
ويخبر نقد “أفق جديد” أن ما أصاب جودة الهواء من تلويث جراء العمليات العسكرية وما يصاحبها من انبعاثات سامة نتيجة الحرائق الناجمة عنها، يمثل خطرا كبيرا على البيئة الطبيعية ومكوناتها الحية بما فيها البشر، سيما وغالبية هذه المعارك تدور رحاها قرب التجمعات المدنية ومؤخرا في الصعيد الخصيب في ولاية سنار الزراعية: “أضف إلى ذلك تركيز استراتيجية المتحاربين في استهداف مستودعات الوقود التي يطلق احتراقها غازات أكاسيد الكربون والكبريت وغيرها من الغازات السامة التي تعرف بآثارها المدمرة على الإنسان والحيوان والنبات”. يقول ومن ثم يضيف: “تتحمل التربة عبء ما يترسب من هذه الملوثات الكيميائية الخطرة، وما يرافق الاقتتال من استخدامات مفرطة للوقود، يؤدي لتدهور مريع في مكونات التربة، إذ تتسرب كميات هائلة من الزيوت المستهلكة وبقية مخلفات المعارك التي يتم التخلص منها بطرق عشوائية إلى سطح الأرض في ظل توقف عمل أنظمة المراقبة والإدارة البيئية في البلاد”.
اقتتال الفيلة
” ليس ترفا أو مثالية زائدة عن الحد أن نكشف عن الآثار البيئية المباشرة وغير المباشرة التي ستخلفها الحرب، واصطحابها ضمن خطط وبرامج ما بعد الحرب”. يقول الناشط المدني خالد بحر متحدثا لـ”أفق جديد” ومن ثم يضيف: “الأرقام والوقائع على الأرض، تتحدث عن أكثر من مليون طن من الحطام خلفته الحرب حتى الآن، و2800 مقذوف يوميا في ولاية الخرطوم على سبيل المثال لا الحصر، نتج عنها 0.45 من جزئيات الرصاص عالقة في البيئة على مدار اليوم خلال شهور ماضية، وكمية مهولة من الجثث في العراء، وانهيار أبدي للموائل الطبيعية للحياة البرية، وتحديات تجابه تغيير الخصائص الفيزيائية والكيميائية للتربة بفعل الحرائق والمواد الكيميائية المنسابة إلى سطح وباطن الأرض بسبب المواد الكيمائية الموجودة في المصانع ومخازن الوقود ومستودعات الأسمدة والرصاص والمقذوفات، وملايين النازحين الذين يعيشون في واقع بيئي يشكل بؤرة للأوبئة والأمراض”.
ويحذر الخبير ساري نقد من أن المناطق الآمنة في البلاد تعاني، بعيدا عن العمليات العسكرية، من تدهور مريع في بيئاتها الأرضية من خلال محدودية استيعابها لصدمات موجات النزوح المفاجئة وما نتج عنها من زيادة للكثافة السكانية، التي باتت إداراتها المحلية عاجزة عن إدارة مخلفاتها البلدية: “لم تعد حاويات القمامة المخصصة في المناطق السكنية تكفي لجمع مخلفات السكان، فضلا عن نقلها والتخلص منها في المكبات، ما أدى في حالات كثيرة للتخلص من المخلفات عن طريق حرقها في تلوث مزدوج للتربة والهواء”.
ويذهب إلى أن الضرر المتعلق بشأن جودة البيئة المائية، قد يكون الأكثر فتكا بالسودانيين. “فبصرف النظر عن استخدام المياه سلاحا في الصراع، مثلما رشح مؤخرا من أنباء عن تلويث آبار المياه في منطقة الهلالية بشرق الجزيرة على أيدي ميليشيا الدعم السريع، فإن ما أصاب موارد المياه في بقية الأرجاء لا يقل خطورة عنه كونه ليس مرصودا بعد”. يقول نقد ومن ثم يضيف: ” طال الاعتداء مكونات حية أخرى: الغابات للحصول على مواردها الخشبية لتعويض ما فقد من مأوى ومصادر لطهي الطعام في ظل توقف امدادات غاز الطبخ، ما يمثل تهديدا للغطاء النباتي، وما تعرضت له أعداد ضخمة من الماشية من القضاء عليها عن طريق ذبحها لإطعام المقاتلين دونما تمييز واضح بين إناثها وذكورها، فضلا عن عمليات الصيد الجائر لأعداد كبيرة من الحيوانات البرية، سيما ما تبع اجتياح محمية الدندر من قبل ميليشيا الدعم السريع، الذي يمثل خطرا بالغا على التنوع الحيوي بالبلاد”.