شامخات رغم الانتهاكات
عبر الثامن من مارس هذا العام والمرأة السودانية تعيش واحدة من أصعب الفترات في تاريخها الحديث، وسط حرب طاحنة وانهيار للدولة ومؤسساتها، مما أدى إلى تفاقم العنف الممارس ضد النساء وزيادة حجم الانتهاكات التي يتعرضن لها. في ظل هذه الأوضاع، يصبح الحديث عن حقوق المرأة في السودان جزءًا من الحديث عن مقاومة البؤس والاضطهاد والبحث عن مستقبل أكثر إنصافًا وعدالة.
فمنذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع، تحملت النساء السودانيات العبء الأكبر من المأساة، فإلى جانب فقدان الأمن والنزوح القسري، تزايدت حالات العنف الجنسي والاستغلال، ووثقت منظمات حقوقية محلية ودولية حالات اغتصاب جماعي واختطاف للنساء في مناطق النزاع. وأصبحت هذه الجرائم تُستخدم كسلاح لترهيب المجتمعات وإذلالها، في ظل إفلات الجناة من العقاب وضعف مؤسسات العدالة.
كما تواجه النساء في مناطق النزوح أوضاعًا كارثية، حيث يفتقرن إلى الغذاء والرعاية الصحية، خاصة الحوامل والأمهات. وتشير التقارير إلى أن المستشفيات والمرافق الصحية التي كانت تقدم خدمات للأمهات والأطفال تعرضت للدمار أو التوقف عن العمل، مما أدى إلى ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة.
ورغم هذا الواقع المظلم، لم تتوقف النساء السودانيات عن المقاومة. فمنذ الأيام الأولى للحرب، كانت الناشطات في مقدمة الجهود الإنسانية، حيث نظمن حملات إغاثة ومبادرات لدعم النازحين. كما لعبن دورًا رئيسيًا في توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون، رغم التهديدات ومحاولات إسكات أصواتهن.
على المستوى السياسي، تقود النساء حراكًا لمناهضة عسكرة الدولة، ويدافعن عن حلول سلمية تعيد للسودان استقراره. لكن العقبات أمامهن كبيرة، حيث يتم تهميش أصوات النساء في المفاوضات السياسية، سواء من قبل القوى العسكرية المتحاربة أو بعض القوى المدنية التي لا تزال تنظر إلى قضايا النساء على أنها ثانوية.
لم تكن هذه أول مرة تواجه فيها النساء السودانيات القمع والانتهاكات. فلقد كن دائمًا في طليعة النضال السياسي والاجتماعي، بدءًا من مشاركتهن في ثورة أكتوبر 1964، مرورًا بدورهن الفاعل في انتفاضة أبريل 1985، ووصولًا إلى قيادتهن للحراك الشعبي في ديسمبر 2018، حيث كانت النساء يشكلن نحو 70% من المتظاهرين.
لكن بالرغم من هذه التضحيات، لم تحقق المرأة السودانية بعد المساواة الكاملة، إذ لا تزال القوانين التمييزية قائمة، مثل قانون الأحوال الشخصية الذي ينتقص من حقوق المرأة في الزواج والطلاق والوصاية على الأطفال. كما أن التمثيل السياسي للنساء لا يزال ضعيفًا، خاصة بعد الانقلاب العسكري في 2021 الذي أجهض مكاسبهن التي حققنها خلال الفترة الانتقالية.
في يوم المرأة العالمي، لا يكون الاحتفال ممكنًا في السودان كما في دول أخرى، لكنه يظل مناسبة للتأكيد على ضرورة التضامن مع النساء السودانيات في محنتهن، والضغط من أجل محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي يتعرضن لها. كما أنه فرصة لتسليط الضوء على أصوات النساء اللواتي ما زلن يناضلن رغم الحرب، والاعتراف بشجاعتهن في مواجهة أحد أكثر الفصول قسوة في تاريخ السودان.
إن معركة النساء السودانيات ليست فقط من أجل حقوقهن، بل هي جزء من معركة أوسع من أجل العدالة والسلام والاستقرار. ففي بلد مزقته الحرب والصراعات، تظل المرأة هي العمود الفقري للمجتمع، وحمايتها وضمان حقوقها يجب أن يكون أولوية لأي مشروع سياسي يسعى لإعادة بناء السودان.