جريمة حرب موثقة
منذ اندلاع الحرب في السودان، برزت قوات الدعم السريع كأحد أبرز أطراف النزاع التي اتخذت من التصفيات الميدانية سلاحًا لإخماد الأصوات المعارضة، وبسط الهيمنة على الأرض. وعلى مدار شهور الحرب، وثقت مصادر حقوقية وشهود عيان موجات من الجرائم الوحشية، كان القاسم المشترك بينها هو الإعدام الفوري للأسرى والمعتقلين المدنيين بلا رحمة أو محاكمة.
في شوارع الخرطوم، وعبر بلدات دارفور المكلومة، تنفذ قوات الدعم السريع إعدامات علنية لأشخاص يتم اعتقالهم تعسفيًا، غالبًا بناءً على شكوك أو انتماءات قبلية أو مناطقية. الضحية قد يكون جنديًا في الجيش السوداني، أو ناشطًا مدنيًا، أو حتى شابًا عاديًا لا يحمل سوى هويته “الخطأ”.
شهادات مرعبة جمعها صحفيون وناشطون ميدانيون كشفت أن المعتقلين يُجبرون على الاعتراف تحت التعذيب، ثم يُقتلون رميًا بالرصاص أو ذبحًا، وتُلقى جثثهم على قارعة الطريق، في رسائل دموية مفادها أن لا حصانة لأحد.
في إحدى الوقائع المروعة بولاية غرب دارفور، اقتحمت قوة تابعة للدعم السريع بلدة صغيرة، وأعدمت العشرات من الشباب بعد فصلهم بحسب أصولهم القبلية. أطفال شاهدوا آباءهم يُسحبون أمام أعينهم ليُقتَلوا دون ذنب سوى انتمائهم.
أما الجريمة الأخيرة التي هزت الضمير السوداني، فقد وقعت غرب أم درمان، إذ أقدمت قوة تابعة للدعم السريع على تصفية أكثر من عشرة شبان بعد اعتقالهم من منازلهم ومزارعهم.
وبحسب إفادات السكان المحليين، فإن الجنود جمعوا المعتقلين في ساحة مكشوفة، وأطلقوا النار عليهم واحدًا تلو الآخر، أمام مرأى الأهالي الذين لم يستطيعوا التدخل خوفًا من المصير نفسه. وقد أكدت صور ومقاطع مصورة نشرت لاحقًا أن بعض الضحايا كانت أيديهم مقيدة قبل إطلاق النار عليهم، مما يدل على أن الإعدام كان عملية ممنهجة ومدبرة، لا ناتجة عن اشتباك أو خطأ ميداني.
الأسوأ أن هذه التصفيات تتم في ظل صمت إقليمي ودولي مخزٍ، وكأن أرواح السودانيين أضحت بلا قيمة. ولا تكتفي قوات الدعم السريع بالقتل، بل تمارس حملات تشريد منظمة، فتفرغ القرى من سكانها، وتحرق المنازل، وتنهب الممتلكات.
يؤكد محللون أن هذه الممارسات تحمل كل سمات “جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية”، مما يضع قادة الدعم السريع، وعلى رأسهم محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مواجهة حتمية مع المحاكم الدولية عاجلًا أم آجلًا.
في المقابل، ورغم خطورة الوضع، تبدي قوى المجتمع المدني السوداني تصميمًا على توثيق كل انتهاك وكل جريمة. عشرات المنظمات والأفراد يعملون بسرية تامة على جمع الأدلة، تحضيرًا ليوم الحساب، ولن ينجو أبدًا كل منتهك سواء أكان من الدعم السريع، أو كتائب الإسلاميين التي ارتكبت أبشع الجرائم في منطقة جنوب الحزام.
في المحصلة، لم يعد هناك شك أن التصفيات التي يمارسها جنود الدعم السريع ليست مجرد تجاوزات فردية، بل هي سياسة ممنهجة تستهدف سحق كل مقاومة شعبية أو عسكرية في طريقهم، ولو على جثث الأبرياء.