حملة الدعم السريع شرقاً وشمالاً: تحول استراتيجي أم محاولة لرفع المعنويات ؟

أفق جديد

في أعقاب هزيمتها في العاصمة الخرطوم، أطلقت قوات الدعم السريع حملة عسكرية ودعائية واسعة النطاق ضد القوات المسلحة السودانية في شمال البلاد. تركز هذه الحملة، التي شهدت تصعيداً ملحوظاً منذ أواخر عام 2024، على استخدام الطائرات المسيرة والتقدم البري المحدود، مما يثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية وقيمتها الاستراتيجية في ظل التغيرات الميدانية الأخيرة.

لماذا كثفت قوات الدعم السريع هجماتها شمالاً بعد خسارة الخرطوم؟
يبدو أن الدافع الرئيسي وراء تكثيف النشاط العسكري لقوات الدعم السريع في شمال السودان هو محاولة رفع معنويات مقاتليها المنهارة بعد الخسارة الكبيرة في الخرطوم أواخر مارس 2025. شكلت استعادة الجيش السوداني للعاصمة انتصاراً عسكرياً وسياسياً حاسماً، عزز شرعيته كحاكم فعلي للبلاد وقطع خطوط إمداد حيوية لقوات الدعم السريع شرق النيل، مما مثل نكسة استراتيجية لهذه القوات وجهودها لتقديم نفسها كقوة وطنية. في هذا السياق، تأتي الحملة شمالاً، بما في ذلك التهديدات الخطابية والهجمات المحدودة، كجزء من محاولة لإظهار القوة واستعادة الزخم بعد الهزيمة.

ما الأهداف الحقيقية وراء هجمات المسيرات على البنية التحتية الحيوية؟
شهدت الفترة بين أكتوبر 2024 ومارس 2025 زيادة كبيرة في هجمات المسيرات التي شنتها قوات الدعم السريع على أهداف في الولاية الشمالية وولاية نهر النيل، حيث تم تسجيل 50 هجوماً مقارنة بـ 10 هجمات فقط في الأشهر الستة السابقة. استهدف نصف هذه الهجمات تقريباً منشآت حيوية استراتيجية مثل سد مروي، الذي يولد نسبة كبيرة من كهرباء البلاد، بالإضافة إلى مطاري دنقلا وعطبرة. يهدف قصف سد مروي إلى التسبب في انقطاعات واسعة للتيار الكهربائي في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، بما في ذلك العاصمة، لتقويض قدرة الجيش على توفير الخدمات وزعزعة الاستقرار. أما استهداف المطارات، فيبدو أنه يرمي إلى تعطيل خطوط الإمداد الرئيسية للجيش وضرب القواعد التي تنطلق منها طائراته المسيرة لمهاجمة مواقع الدعم السريع.

هل يمثل التقدم البري في الشمال تهديداً استراتيجياً حقيقياً للجيش؟
بالتزامن مع هجمات المسيرات، حققت قوات الدعم السريع تقدماً برياً محدوداً انطلاقاً من شمال دارفور باتجاه الولاية الشمالية، حيث سيطرت على بلدات مثل المحلة والرهد والعطرون. ومع ذلك، تبدو القيمة الاستراتيجية لهذه المكاسب محدودة للغاية. تواجه قوات الدعم السريع صعوبات جمة في تحقيق تقدم أكبر نحو المراكز السكانية الرئيسية مثل دنقلا، التي تبعد مئات الأميال، كما أن التضاريس الصحراوية المكشوفة تجعل قواتها عرضة للغارات الجوية التي يشنها الجيش السوداني المتفوق جوياً. يضاف إلى ذلك، أن أي توغل كبير نحو الحدود المصرية قد يستدعي دعماً مصرياً أكبر للجيش السوداني، وهو ما يمثل رادعاً إضافياً لقوات الدعم السريع.

كيف حاول حميدتي رفع معنويات قواته المنهزمة؟
في محاولة يائسة لحشد مقاتليه بعد خسارة الخرطوم، لجأ قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى الخطابات الحماسية والتهديدات المبالغ فيها. ففي خطاب ألقاه منتصف مارس، هدد بـ”غزو” بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للجيش، رغم عدم وجود أي قوات له على بعد مئات الأميال منها. كما وصف خسارة الخرطوم لاحقاً بأنها مجرد “تراجع تكتيكي”، متوعداً بالعودة بقوة أكبر. تتعارض هذه التصريحات بشكل صارخ مع المشاهد الميدانية التي أظهرت انسحاباً غير منظم ومكمنات تعرض لها مقاتلوه أثناء فرارهم من العاصمة. يبدو أن هذه الخطابات، بما فيها التهديد بطرد الجيش من “المناطق الشمالية”، تندرج ضمن حملة دعائية تهدف لرفع الروح المعنوية أكثر من كونها تعبيراً عن قدرة عسكرية حقيقية.

ما علاقة حملة الشمال بالصراع الأوسع في دارفور وغرب السودان؟
لا يمكن فصل الحملة العسكرية في الشمال عن الأهداف الأوسع لقوات الدعم السريع، خاصة فيما يتعلق بحماية معاقلها الرئيسية في غرب السودان ودارفور. يُرجح أن التقدم البري المحدود نحو الولاية الشمالية يهدف جزئياً إلى إنشاء منطقة عازلة لتأمين هذه المعاقل من هجمات محتملة قد يشنها الجيش أو القوات المتحالفة معه، مثل قوات دارفور المشتركة. تعمل هذه القوات المتحالفة مع الجيش على الضغط على خطوط إمداد الدعم السريع في المنطقة الحدودية بين شمال دارفور والولاية الشمالية، مما دفع الدعم السريع لمحاولة تأمين هذه المناطق وإنشاء حزام أمان حول مناطق نفوذه الأساسية.

في المحصلة، تبدو حملة قوات الدعم السريع في شمال السودان، رغم كثافة هجمات المسيرات، ذات قيمة استراتيجية محدودة وتهدف بشكل أساسي إلى رفع المعنويات بعد هزيمة الخرطوم، وإضعاف قدرات الجيش عبر استهداف البنية التحتية، وتأمين مناطق نفوذها في الغرب. إنها تعكس تحولاً في تكتيكات الدعم السريع نحو حرب الاستنزاف ومحاولة خلق حالة من عدم الاستقرار، لكنها لا تغير بشكل جوهري من ميزان القوى الذي بدأ يميل لصالح الجيش بعد استعادة العاصمة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى