ما لم يَبلُغِ الحُلمُ من شهقات النَّشيد
بابكر الوسيلة
داوني ببلادي
بهذي الَّتي ظلَّت على قلقي هي الدَّاءُ..
داوني بالنَّهر والوادي..
فقدتُ دمي..
إنَّما يَعرِِف النِّيلَ من عشَّاقهِ الشُّهداءُ.
داوني بالصَّلوات على الأغنيات..
بشاي البيوت أمام نداءات أبوابنا.
نشكرُ الله على رحمة الحبِّ في الشَّجر العائليِّ
ونحمَدُهُ على نعمةِ الذِّكرياتِ
الَّتي تتورَّدُ كلَّ صباح..
داوني بقهوة أمِّي وأمِّ الغناء الصَّبوح
وغُنَّةِ فنجانها الأبيضِ بين النُّجوم..
داوني برُعاة التَّحيَّاتِ
من أوَّل الشَّارعِ حتَّى التَّغلغلِ في حُضنِهم
واحداً واحداً..
يا عُراةَ الحياةِ!
يا رعايا التُّرابِ بصدرٍ سليم!
داوني بطَلح النِّساء الكريمات
يَغلِبنَ ميلادَ طفلٍ جديد..
ويَبلُغنَ ما لم يَبلُغِ الحُلْمُ من شَهَقات النَّشيد.
داوني بالكمنجات في شجر البان..
كنت صغيراً أُفكِّر أن أُصبِحَ
عصفورةً أو سكسفوناً في فِرقة الطَّيرِ،
أو أيَّ عازفِ غصنٍ لدى السَّيسبان.
داوني بالأزقَّة
بين خيوط البُيُوت
كلُّما شهقتْ طينةٌ في ليالي الحنين
لرائحة الحيِّ وهْيَ تُرَقِّصُ الأرضَ
على الشَّارع المحتفي
بزغرودةِ العائدين.
داوني بغناء الأساطير
تحت لساني..
كدتُ أنسى الطَّريقَ إلى النِّيلِ حيثُ كياني،
وكدتُ أنسى الطَّريقةَ في شارع النِّيلِ،
حيث يجلسُ فوق عُرس المكانِ المصير.
وكدتُ أتوهُ كمَن في القصيدة تاهُوا..
مرِضتُ كثيراً بدمع المُعزِّين..
في البال كان حدادي
يُؤجِّلُ موتاهُ،
وكنتُ أحمِلُ عيشي
على الموكب المُتموِّجِ والمُتعرِّجِ
بين أناشيد نَعشي..
وأنا لا أقولُ سوى أغنياتِ الحصى
سوى صوتِ صدري
مثقلاً بالحنان الأمين.
داوني بالقصائد..
بالدَّمع من حفرة روحِ المُعَنَّى
فإن لاح في المَتن مَعنَى
فسيَكفيكهمُ الله شِعراً
يَتناولُه النَّاسُ كالخُبزِ بين الموائد.
داوني بالسَّرير
في آخِر الحوش..
أحلمُ أن أتزوَّجَ امرأتي مرَّةً ثانية..
وأن أُنجبَ منها ما أَنجبَ الحبُّ منها،
وأن أُضيفَ لها نصَّاً من الدُّوش
في لحظات الهجير.. في القُبلة الدَّانية.
داوني بالظَّهيرة
زخَّةِ عطرِ العَرَق..
بالظِّلِّ يدعو الرَّواكيبَ إلى ما يُقيم ولائمَ للذِّكريات
ويكشف نبعاً من الأبديَّةِ بين كمائنِ هذي الحياة..
إنَّما العُمرُ من زمنٍ وانسرق.
داوني بالمشاوير في أوَّل اللَّيل..
هذا الفضاءُ يطولُ بنا يا صديقي
فاحتملْني قليلاً
مسافةَ أن أُصلِحَ ربطةَ هذا الحذاء..
ضاع منِّي التَّذكُّر
ووالله ما ضاعتِ الذِّكرياتُ
ولا ضاع منِّي شهيقي..
فأين سنمضي بقيَّةَ هذه الهجرةِ،
أو عند مَن؟!
فلا مطرٌ بانتظار القصيدةِ عند آخِرةِ الجمرة،
لا قمرٌ في احتراقِ الوطن.
داوني بالتقاء الأحبَّةِ في العَرَقِ المُتحَبحِب..
قد بكيتُ كثيراً من الشَّوق هذا المساء..
ولم ألقَ غيرَ ذكرى النِّساء
يُجدِّدنَ نبضَك يا صاحبي.
داوني بقريتنا
واللُّيلُ سائل..
قمرٌ عارِفٌ بالمحبِّين..
أيُّ الرِّسالاتِ لم تصلِ القلبَ!
وأيُّ النَّسائم ما عرَفت في الحنينِ سبيلَ الرَّسائل!
داوني بالمواكب..
قد سكب العمرُ أيَّامَهُ
لاخضرار البساتينِ من كلِّ نبعِ..
وارتكب القلبُ أحلامَهُ
بين دمعٍ ودمعِ..
ذهب الأحبَّةُ للشَّاطئ الآخَرِ،
ذهب الحُلمُ للشَّارع المتأخِّرِ،
ذهب النَّهرُ بتلك المراكب..
غير أنَّ القصيدةَ قد كتبتْ نفسَها
من دمِ العُمرِ،
من شِغافِ الضِّفاف،
من ذكريات الأحبَّة،
من موجة النَّهر بِعِيدِ الكواكب.
داوني بالنُّزُوح..
لا أبحثُ الآن عن وطنٍ،
إنَّني أبحثُ عن زمنِ الأصدقاء..
ولا أبحثُ عن كفنٍ،
إنَّني أبحث من بين هذي الجُرُوح..
عن بسمةِ موتٍ تَليقُ بذاك اللِّقاء.