استرداد سنجة.. نقطة تحول الحرب

وائل محجوب

استعادة القوات المسلحة لمدينة سنجة حاضرة ولاية سنار من قبضة الدعم السريع، هو الانتصار الأكبر منذ اندلاع الحرب، ومنذ بدء التحول من حالة الدفاع للهجوم، فهي أول عاصمة ولاية يتم تحريرها، كما أن الفرقة ١٧ مشاة بسنجة هي أول مقر لفرقة عسكرية يتم استعادته بعد احتلاله، وبذلك تكون القوات المسلحة قد بسطت سيطرتها على كامل حدود الولاية، بعدما استعادت في وقت سابق جبل مويه والدندر والسوكي.

وأهمية هذا الانتصار العسكري، بخلاف ترجيحه لميزان القوى العسكري لمصلحة الجيش، فإنه قد قطع الطريق على امكانيات تمدد قوات الدعم السريع تجاه الحدود مع جنوب السودان، وإثيوبيا، وقفل الباب أمام أي احتمالات لتوفر إمدادات خارجية لهذه القوات تعينها على إحكام السيطرة على تلك المناطق، وفتح المجال واسعا أمام الحركة تجاه ولايات كردفان والنيل الأبيض وجنوب النيل الأزرق، وتأمين المسرح الخلفي لولايات شرق السودان، مثلما فتح هذا الانتصار العسكري الباب لزحف من مختلف المحاور تجاه ولاية الجزيرة.

لقد بدا واضحا منذ انقضاء فترة الخريف، وبدء الحملة العسكرية المضادة للقوات المسلحة في مختلف المحاور، أنها استفادت من فترة التوقف الإجباري عن العمليات في إعادة تجميع قوتها، وزيادة أعداد المجندين من المتطوعين وتدريبهم وتأهيلهم، وتطوير التسليح النوعي للقوات المختلفة، وإعداد المسرح لخطة الرد العسكري المضاد.

وقد تزامن مع كل تلك التطورات استشراء انتهاكات وجرائم قوات الدعم السريع بشكل مفرط في المناطق الخاضعة لسيطرتها، الأمر الذي ألهب شعورا شعبيا عاما رافضا لها ولوجودها، فتكاملت العناصر المطلوبة للحملة العسكرية، التي بدأت باختراقات مهمة لمعاقل سيطرة الدعم السريع بالخرطوم، في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي، في الخرطوم بحري باسترداد الكدرو ومن بعد استرداد الدروشاب والحلفايا، فتم عزل القوات الموجودة في شمال بحري عن جنوبها، مثلما تمت اختراقات بالغة الأهمية إذ تمت السيطرة الكاملة على محيط سلاح المدرعات بالخرطوم وتطهير مناطق جبرة واللاماب والشجرة، والزحف من أمدرمان للسيطرة على منطقة المقرن الإستراتيجية، وبذلك فقد أحكم حصار الخرطوم من ثلاث جهات.

ولكن الضربة الأكبر تمثلت في استرداد جبل مويه في الخامس من أكتوبر الماضي، التي تمت بعملية عسكرية نوعية، زحفت من خلالها فرق من اتجاهات مختلفة، حيث تم التحام متحركات الجيش من ولاية سنار مع قوات الفرقة ١٨ المتقدمة من ولاية النيل الأبيض تحت غطاء جوي كثيف من قبل الطيران الحربي، فهي التي فتحت الباب لتحرير كامل ولاية سنار، وإحداث تحول استراتيجي في موازين القوى على الأرض، ولعل ذلك كان الدافع الأساسي للخطاب المضطرب الذي قدمه قائد الدعم السريع بعدها، الذي أقر فيه للمرة الأولى منذ بدء الحرب بهزيمة قواته.

من الواضح الآن وبعد ما يقارب عامين على اندلاع الحرب، أن القوات المسلحة راهنت على عنصر الوقت وتوسع نطاق الانتشار لإضعاف قوات الدعم السريع، التي تغلب عليها صفات المليشيا في مسلك أفرادها، وتفتقر للانضباط والتماسك واحترام التسلسل القيادي للجيوش النظامية، وهي صفات كفيلة بإحداث التفكك والانهيار في أي منظومة عسكرية مع تطاول زمن الحرب.

ولعل القيمة الأكبر لتلك الانتصارات معنويا في صفوف القوات المسلحة والقوى المتحالفة معها، إنها لم توقف فحسب تمدد قوات الدعم السريع في ولايات السودان المختلفة، إنما كشفت عن نقاط ضعف كبيرة في صفوفها، وأنهت حملاتها الدعائية الحربية التي استمرت لفترة طويلة منذ اندلاع الحرب، التي صورتها كقوات لا تقهر، وهي ستقود لتراجع هذه القوات عن كثير من المواقع التي ظلت تسيطر عليها لوقت طويل.

تبعا لكل تلك الوقائع، فإن السيناريو الأقرب للتحقق حاليا هو معاودة قوات الدعم السريع الهجوم وبشكل كبير على الفاشر، والعمل على إسقاطها والسيطرة عليها، لتكون بذلك ضمنت السيطرة على كامل ولايات دارفور، وتمتلك بذلك كرتا يمكنها من التفاوض استنادا عليه مستقبلا، وفي المقابل فإن قواتها في شمال ووسط السودان ستواجه شتاء قاسيا، ولن تكون سنجة آخر هزائمها العسكرية.

وائل محجوب

كاتب صحفي ومحلل سياسي معتمد لدى العديد من القنوات الفضائية العربية وله مساهمات نظرية في القوانين المنظمة لمهنة الاعلام، وقدم العديد من أوراق العمل والبحوث في محاصرة خطاب الكراهية وأخلاقيات مهنة الصحافة عمل مديرا لتحرير صحيفة الأيام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى