من على الشرفة

طاهر المعتصم

إجسادهن تسدد فاتورة الحرب ولا معتصماه في الأفق
يروي لي من أثق فيه قصة عذاب امرأة، عندما اجتاحت قوات الدعم السريع مناطق شرق الجزيرة مؤخرا، هاجموا منزل أحد المواطنين، قام فور دخولهم الدار بتسليمهم ذهب زوجته ومفتاح سيارته وأموالا كانت معه، آملا في أن يأمن شرهم المستطير.
لكن أبا إلا أن يطل الشر كعادته، وبعد أن جمعوا المال والذهب ومفاتيح السيارة، التفت أحدهم مشيرا إلى شقيقة صاحب المنزل ذات السبعة عشر ربيعا قائلا أريد هذه، دافع صاحب المنزل بكل ما أوتي من قوة حتى سقط مضرجا بالدماء إثر زخات رصاص تلقاها من المهاجم، الشابة فقدت عقلها فور مشاهدة المأساة ما بين صدمتها في مقتل سندها في الدنيا ورعبها من المغتصب، ففقدت عقلها.
مئات القصص الكارثية من بعض من تشجع من الضحايا أو من شهود عيان أو من معالجين، وثقت بعضها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي وتقارير المنظمات المعنية، منذ الخامس عشر من أبريل 2023، لحظة اشتعال حرب السودان، كان مسرحها أجساد نساء سودانيات.
بحسب “سي إن إن” تعرضت النساء والفتيات في العاصمة لأعمال اغتصاب واسعة النطاق، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، فضلا عن الزواج القسري والاستعباد الجنسي، بحسب تقرير “هيومن رايتس ووتش” المكون من 88 صفحة، بعنوان “الخرطوم ليست آمنة للنساء” الذي صدر في 29 يوليو/تموز الجاري.
وقالت ليتيسيا بدر، نائب مدير إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”: “قامت قوات الدعم السريع بالاغتصاب والاغتصاب الجماعي وإجبار عدد لا يحصى من النساء والفتيات على الزواج في مناطق سكنية في العاصمة السودانية”.
وأضافت أن “الجماعة المسلحة أرهبت النساء والفتيات، ومنعهن الطرفان المتحاربان من الحصول على المساعدات وخدمات الدعم، مما فاقم الضرر الذي يواجهنه وتركهن يشعرن أنه لا يوجد مكان آمن”.
ونظرا لصعوبة الوصول إلى الخرطوم والتحدث مباشرة مع الناجيات، أجرت “هيومن رايتس ووتش” مقابلات مع 42 من مقدمي الرعاية الصحية والعاملين الاجتماعيين ومستجيبين آخرين بين سبتمبر/أيلول 2023 وفبراير/شباط 2024. ومن بين هؤلاء، قدم 18 شخصا منهم رعاية مباشرة لـ262 ناجية من العنف الجنسي، تتراوح أعمارهن بين 9 و60 عاما.
ويذكر أحد الأطباء النفسيين، الذي دعم أكثر من 40 ضحية اغتصاب بين أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني، العام الماضي، وناجية تعرضت للاغتصاب ثم اكتشفت أنها حامل في الشهر الثالث.
وقال الطبيب النفسي في تقرير “هيومن رايتس ووتش”: “كانت مصدومة وترتجف بوضوح، وتخشى من رد فعل أسرتها. وقالت لي: إذا اكتشفوا حالتي، سيقتلونني”.
وروى طبيب آخر محنة امرأة قالت إنها اغتصبت من قبل العديد من مقاتلي قوات الدعم السريع.
وقال الطبيب: “عندما اكتشفت المرأة أنها حامل، طردها زوجها وأخذ أطفالهما. وتُركت في الشوارع”.
ويتذكر الطبيب أن المرأة جاءت إلى العيادة وطلبت الإجهاض، لكن مدير المستشفى لم يوافق على الإجراء. ولم يتمكن مستشفى آخر من إجراء الإجهاض لعدم وجود طبيب توليد به.
وأضاف الطبيب: “بعد أن تجاوز الحمل أربعة أشهر، كان علينا تقديم الدعم النفسي لها، لتتمكن من قبول الوضع. كان هذا هو الخيار الوحيد المتاح أمامنا”.
وقال تقرير “هيومن رايتس ووتش” إن “الندوب الجسدية والعاطفية والاجتماعية والنفسية الاجتماعية التي تعاني منها الناجيات هائلة”. وتذكر العاملون في مجال الرعاية الصحية علاج الناجيات من “إصابات منهكة طالتهن، نتيجة عنف عمليات الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، بما في ذلك النزيف المهبلي والكدمات والصدمات الجسدية الأخرى”. وفي أربع حالات على الأقل، ثبت أن هذه الإصابات قاتلة.
الواضح أن فاتورة الحرب اللعينة تسدد من أجساد النساء خصما من الجهل والفقر وعدم التنمية المتوازنة والجنوح إلى تكوين مليشيات، من الواجب فضح كل الانتهاكات وتغيير صورة التي تتعرض للانتهاك من جانية الى ضحية، وأن يسعى الجميع إلى توفير الرعاية الصحية والمسارات الإنسانية ورصد وتقديم الجناة إلى المحاكمات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى