صانعات التغيير يدفعن بأجندة السودان من جنوب أفريقيا
أفق جديد – جنوب افريقيا
“كن يتفرسن بحذر في تلك الملامح الأفريقية بحثًا عن أثر وقع الحرب السودانية على تلك الوجوه، التي بدا أنها غير مهمومة بأكبر كارثة إنسانية تشهدها القارة الأفريقية. بعض النسوة لم يسمعن قط بأوجاع السودان وبحر الدماء الذي غمر أراضيه لما يقارب العامين نتيجة الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع”.
أقامت منظمة النساء الأفريقيات وتعرف اختصارًا بـ (أفويد) مؤتمرًا في نسخته الثالثة وينعقد كل 4 سنوات في جوهانسبرج العاصمة الاقتصادية لدولة جنوب أفريقيا، وبدأت جلساته يوم الاثنين 27 يناير، واختتم أعماله الجمعة 31 يناير
ويعتبر المؤتمر منصة شاملة للحوار تسعى إلى توحيد النساء الأفريقيات من مختلف المهن والتخصصات مع التحيز لنساء المناطق التي تعاني نقص الموارد، ولا تمثل المنظمة أي رأي سياسي وتتحدث فيها النساء وفقًا لوجهات نظرهن وخبراتهن الشخصية.
ظنت مجموعة السودانيات المشاركات في أكبر تجمع نسوي أفريقي أنهن سيجدن مساحة واسعة من الغضب في هذا الملتقى الضخم، وإدانات واسعة لما يدور من قصص مأساوية في أرض السمر، صرخات نساء مكلومات، وأطفال يتضورون جوعًا، وبنات فضلن الانتحار على وصمة عار الاغتصاب والحمل السفاح، ونساء يطأطئن رؤوسهن خجلًا لممارسة الجنس مقابل الغذاء في مخازن الإغاثة التي باتت متجرًا للشهوات بدلًا عن سد فجوة الغذاء، أعتقدن أنهن سيجدن من يذكر تلك الصحارى التي ابتلعت الكثير ممن حاولوا الفرار إلى حضن الأمان عبر الهجرة غير الشرعية فيعبر بعضهم إلى الضفة الأخرى ومنهم من يقع في مصيدة حراس الحدود ويقبعون في السجون ويشتهون الحرية.
ترقب وانتظار
يوم كامل مضى ومجموعة السودان تترقب سيرة السودان في هذه المنصة العملاقة التي عددت إنجازات المرأة في شتى المجالات، التعليم، زواج القاصرات تدريب الشابات، محاربة المخدرات، كما نبهت لبعض الإخفاقات ومن بينها أن المرأة الأفريقية لم تأخذ حظها في المناصب الدستورية بالصورة المطلوبة، وأن سطوة الرجل مازالت أحد أكبر عقباتها للوصول إلى ما تصبو إليه.
فواصل من الرقص والغناء والهتافات والترانيم. انتظمت تلك المنصة مقترحات جديدة تضع على المنضدة للارتقاء بنساء أفريقيا، وبالمقابل شهدت القاعة ألوانًا من الزي الأفريقي الذي يميز كل مجموعة من المشاركات، فمن تونس ارتدين قبعة حمراء، وممثلات مورتانيا ارتدين ثوبًا موحدًا، تلك الأزياء المهندمة التي تضج بألوان صارخة، عكست حالة التنسيق بين الوفود التي انطلقت من دولة واحدة وأقلتهم رحلة سفرية واحدة إلى المدينة الساحرة جوهانسبرج.
طال انتظار السودانيات بالمؤتمر ولم يذكر اسم دولتهن ولم يرد ذكر حرب السودان وأثرها على النساء في تلك المنصة المواكبة للحراك الأفريقي، أصابتهن حالة من الإحباط تضاف لنواقص كثيرة في التنسيق كان سببها أن المشاركات جئن من سبع مناطق هي: السودان، مصر، نيروبي، يوغندا، إثيوبيا، الإمارات وجنوب السودان.
واجهت المشاركات صعوبات جمة للحصول على تأشيرة الدخول إلى جنوب أفريقيا، توفيق أوضاعهن كلاجئات ونازحات خصمت من تنسيق المظهر وإبراز جوانب التراث السوداني.
دفعن أجورًا إضافية للوصول إلى هذا المؤتمر العالمي بغية أن يلفتن الانتباه للكوارث الإنسانية التي انتابت النساء في حرب أقل ما توصف إنها جاءت على أجسادهن، وتحملت القادمات من جنوب السودان مشاق الوصول إلى كمبالا ومن ثم إلى أديس أبابا ومنها إلى جنوب أفريقيا، متجاوزات معاناة النزوح واللجوء .
الفرار إلى الأمان.
كانت الجلسة التي أفردها المؤتمر حول النزوح والاستماع لقصص شخصية للنساء الأفريقيات اللاتي نزحن بسبب الاضطرابات السياسية متنفسًا للمشاركات من السودان ولكل منهن قصة مختلفة للفرار من الموت إلى بر الأمان
وسلطت الجلسة الضوء على الأنشطة التي يقمن بها في الدول المضيفة، وخططهن للعودة إلى ديارهن والعبء العاطفي للنزوح وقدرة المرأة الأفريقية في المنفى على الصمود والتصرف.
قررت مجموعة المشاركات من السودان في أعقاب الجلسة وعددهن 16 امرأة تتراوح أعمارهن بين الـ(20-70) أن يفرضن مشكلة السودان على تلك القاعات التي حظيت بوجود ألف امرأة أفريقية، وانخرطن في نقاش عميق حول الأسباب التي جعلت الحرب في السودان منسية وغير جاذبة لانتباه العالم، وحاول بعضهن ربط الأمر بضعف الإعلام وعدم تسليطه الضوء على الفظاعات التي تحدث بمناطق الاشتباكات، وتعتقد أخريات أن ذلك التهميش مرده لتصنيف الحرب في السودان بالأهلية، وأخيرا ما يثار عن أن فلول النظام السابق أقاموا الحرب لإعادة سطوتهم التي فقدوها أمام ثورة 19 ديسمبر، مستعينين بكتائب إرهابية.
ولامت مديرة منظمة زينب لتنمية المرأة فاطمة أحمد المصطفى المنصة في المؤتمر الذي جاء تحت شعار “قوة النساء وأصواتهن باعتبارهن صانعات للتغيير” أنها لم تتطرق لحرب السودان مؤكدة أن دولتها تعيش وضعًا خاصًا ويعاني مواطنها من القتل والدمار والتشريد والمجاعة.
وأوضحت مصطفى في حديث غاضب أن المنصة تحدثت عن معاناة النساء في عدد من البلدان وأهملت الحديث عن السودان، مضيفة “نحن كنسوة أفريقيات يجب أن ندعم بعضنا البعض، وأن نتوحد في حل العثرات التي تقف في طريقنا”، مردفة بأنها تتوقع من المنصة أن تدعم السودان، وأن تضع بنودًا بشأنه في توصيات المؤتمر .
الحنين وسيادة الغذاء
توزعت السودانيات على ست جلسات، وهي الحنين إلى الوطن وقصص النزوح، وإعادة التفكير في الصراع والسلام والتضامن في أفريقيا، وحركة المرأة الأفريقية، والنساء في قلب سيادة الغذاء، والازدهار الاقتصادي في عالم رأس مالي، وإعادة التفكير في أجندة النوع الاجتماعي في أفريقيا.
وأصرن على توصيل صوتهن من خلال كلمات مؤثرة، ودعت خبيرة القانون الدولي وحقوق الإنسان زحل الأمين إلى تكوين جبهة أفريقية لدعم النساء وحمايتهن من هذه الحرب المختلفة التي استهدفت أجسادهن .
وأكدت القيادية السياسية إحسان عبد العزيز أن كل اتفاقيات السلام في السودان من أجل السلام انطفأت بسبب الحرب الأخيرة في السودان، ودعت لوقف الحرب ومنح فرصة لتحقيق أولويات السلام.
وقالت رئيس منظمة المرأة والطفل في السودان بثينة “إن كثرة الانتهاكات الجنسية التي حدثت أثناء الحرب في السودان دفعتنا أن نتحدث بصوت عالٍ عن سن قوانين جديدة لحماية النساء”.
بينما دعت الصحفية ذكرى محيي الدين إلى أهمية التضامن مع الصحفيين في السودان وفرد امتيازات تكفل لهم التحرك بحرية لممارسة عملهم والمشاركة في المؤتمرات الدولية .
خطأ مطبعي
وأصدرت المجموعة السودانية المشاركة في المؤتمر الأفريقي بيانًا حول الأوضاع في السودان تبنته منظمة أفويد وطبعته ضمن كتيب المؤتمر والتزمت برفعه إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيقاد .
ونشر البيان في كتيب الختام مصاحبًا لعلم دولة جنوب السودان وكشف هذا الخطأ المطبعي عن عدم اهتمام الأفارقة بما يدور في السودان. وقال البيان: “المرأة السودانية تتعرض لشتى أنواع التنكيل أثناء الحرب، الاغتصاب والتهجير القسري والحمل قسري والاجبار على ممارسة الجنس مقابل الغذاء، بجانب النزوح ولجوء الملايين من السودانيات” .
وأكد البيان الذي صدر عن المجموعة السودانية المشاركة في المؤتمر الأفريقي الخميس 29 يناير أن السودان يمر بمجاعة قاسية وتفشي الأوبئة والإهمال الواضح من قبل المجتمع الدولي .
وبالمقابل حصد البيان اهتمامًا كبيرًا، وقد أعلنت زوجة ثامو أمبيكي الرئيس الأسبق لجنوب أفريقيا دعمها الكامل للحراك النسوي لوقف الحرب بالسودان،
وأعلنت عدد من الوفود مساندتها لإسكات صوت البندقية في السودان ممثلة في مصر ويوغندا وكينيا وإثيوبيا وإرتريا وتنزانيا، واستفسرت مندوبة حول كيفية دعم السودانيات في مناطق الحرب وما هي الجهة التي سيتم الاتصال بها .
وأجرت عدد من القنوات الرسمية بالدولة حوارًا مطولًا مع قياديات سودانيات حول أزمة النساء خلال الحرب، وتناولت إحداهن أثر الحرب على تعليم الأطفال في السودان.