الصحافة ليست جريمة

من على الشرفة

 

طاهر المعتصم
طاهر المعتصم

taherelmuatsim@gmail.com

الصحافة السودانية صاحبة سهم في مناهضة الاستعمار، وضع الآباء المؤسسون لها لبنات في حضارة السودان، وصاحبة تقاليد متوارثة جيلًا بعد جيل، وتلاقحت تجربتها مع الصحف في دول الجوار وفي العالم، لها في خدمة الامة السودانية ريادة، وفي تشكيل الوعي القومي حصة، ولم تكف أن تكون لسان الشعب وأذنه التي تسمع وعينه التي ترى وتوثق ومصدر معلوماته الدقيقة. قال فرانسيس وليمز (تطور الصحافة في بلد ما، يصور ما بلغه البلد من تمدن، أكثر من الدساتير والبيانات).

العاملات والعالمون بمهنة المتاعب، بينهم صلة رحم ليس في السودان فقط لكن أينما ذهبت في دول العالم، الزمالة بينهم رابط قوي، في السودان أغلبهم كأسرة ممتدة، لا تحتاج أن تكون قد زاملتهم في صالات التحرير، أو مكاتب الإذاعات، أو في القنوات الفضائية، إذ ما ألم بأحدهم أمر وجدتهم من كل حدب أو صوب يلتفون حوله، للأجيال السابقة محبة واحترام ولا يخاطبون إلا مسبوقين بلقب (أستاذنا).

أهل صاحبة الجلالة في السودان، يتبادلون الخبرات المهنية والتقاليد الصحفية المرعية، ينقلونها من جيل إلى جيل، منذ أن تكون طالبًا في كليات الاتصال والإعلام، أنت مستهدف بتعلم المهارات العملية لتعزيز القواعد النظرية التي تدرسها، التعاون سمة من سمات المهنة، تبادل المصادر الصحفية أمر معمول به، التضامن مع الزملاء الذين يقعون تحت طائلة القانون أو عسف السلطة ديدنهم، سهر الليالي أرهق العيون، الساعات الأولى للصباح تشهد إنهاءهم للقوالب الصحفية ومتابعة الإرسال للمطابع، لتصافح أيدي وأعين القراء مبكرًا، وعلى الإذاعات والفضائيات تجد أقوال الصحف مفتتحًا لليوم الجديد.

هم الصامدون في وجه المصادرة من المطابع بعد الطبع، والرقابة القبلية وقطع الأرزاق بإغلاق دور الصحف، والاستدعاءات وتوقيع التعهدات، لم يخونوا مواثيق الشرف الصحفي، ولم يرضوا أن تطوف الأكاذيب الآفاق، هن وهم المصرون على أن الخبر هو الوادي المقدس الذي تخلع فيه النعال، وأن الالتزام بالمهنية ومعاييرها هو المنجي من السقوط.

قبل أيام من اندلاع حرب الخرطوم 15 أبريل/ نيسان  2023، اجتهدت صحف في نقل المخاطر المحدقة بالأمن القومي السوداني، من المصادر المدنية والعسكرية، وصور تمدد قوات الدعم السريع، أو محاصرته لمبنى جهاز المخابرات، سبقت بيان الناطق الرسمي فجر الخميس 13 أبريل/نيسان، أحاديث الإفطارات الرمضانية التي تهدد بما رأى المواطنون كان المحررون ينقلونها، مقاطع الفيديو لأرتال المتحركات العسكرية بثت للتحذير ولاتخاذ ما يلزم من قبل السلطات، لتجنيب البلاد والعباد المزالق المدلهمة.

بعد اشتعال الحرب، 90% من المؤسسات الصحفية، و590 حالة انتهاك لصحفيين وصحفيات بحسب تقرير نقابة الصحفيين السودانيين الصادر في يناير 2025، تأثر الصحافة خط الدفاع الأول عن السودانيين بلغ مبلغًا بعيدًا، حملات التضليل الإعلامي على أشدها، وانتشار خطاب الكراهية كان أس المصائب، وقديمًا قيل (الحرب أولها كلام).

التحريض على الصحافة والصحفيين والصحفيات وأجسامهم المهنية من نقابات خلال الفترة الأخيرة أضحى واضحًا، الخلاف السياسي من أسبابه، إعادة عقارب الساعة إلى الوراء غير ممكن، محاولات إزكاء نار الفتنة واستخدام السلطة سيكون مصيرها الفشل، الشعب السوداني وحكومته أوعى من الانصياع لتلك الأصوات المعزولة، أخيرًا الصحافة ليست جريمة شأنها شأن كل المهن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى