دنقلا تحت وطأة التضخم: الحرب والنزوح يعمقان الأزمة الاقتصادية
دنقلا- ابتهاج متوكل
تشهد أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بأسواق ومحال سوق دنقلا الكبير في الولاية الشمالية، ارتفاع مستمر للأسعار منذ نشوب الحرب في السودان في أبريل 2023 وصدر أول تضخم بعد اندلاع الحرب في منتصف عام 2024 بنسبة 158.16% لشهر يونيو، وعلى مستوى الولايات جاءت الولاية الشمالية كأعلى معدل تضخم إذ بلغ حينها 721.71%.
سوق مدينة دنقلا الكبير، يعد من أكبر أسواق الولاية الشمالية، نشأته تعود إلى تأسيس المدينة في العام 1820، حين جاءت إلى المنطقة نحو 17 عائلة معروفة من مصر وهم الفلاليح، وكانت مهنتهم الأساسية هي فلاحة الأرض، ومع تطور الزمن تحول كثير منهم إلى حرفة التجارة َوأسسوا سوق دنقلا الحالي.
يوجد السوق بعاصمة الولاية دنقلا والتي يقصدها المواطنون من شتى أنحاء مدنها ومناطقها المختلفة لشراء احتياجاتهم ، وظلت حركة النشاط حركة التجاري في تطور مستمر.
يذكر أن المخطط الحالي للسوق، تم تخطيطه في العام 1957 بسعة محدودة لكن مع تطور حركة البيع والشراء تمدد السوق، وتم وضع مخطط لتوسعته وتطويره منذ العام 2010، إلا أن هذه الخطة ظلت حبيسة أدراج المسؤولين منذ ذاك الوقت.
وجاءت معدلات التغير الشهري للأسعار بالولاية الشمالية لشهر يونيو 2024 بنسبة 8.42%، وقز في يوليو 17.3%، ثم انخفض في أغسطس 2.69%، وتوالى مُنخفضًا في سبتمبر إلى 1.88%، ليعاود الارتفاع في أكتوبر 3.28%، وتعني معدلات تغير الأسعار الشهري (معدل الزيادة عن الشهر السابق) بحسب التقارير الشهرية الجهاز المركزي للإحصاء.
تأثيرات الحرب
وأرجعت مدير ة الجهاز المركزي للإحصاء فرع الشمالية، هويدا محمد جمعة ، بعض أسباب ارتفاع الأسعار في أسواق الولاية الشمالية، إلى الحرب الدائرة بالبلاد أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان للولاية من ولايات (الخرطوم. الجزيرة. سنار وولايات دارفور)، كما أن موقع الولاية الحدودي ساعد على زيادة أعداد المواطنين العابرين إلى جمهورية مصر وليبيا، وتعقيدات الإجراءات للعبور ساهم في استقرار أعداد كبيرة منهم.
وحسب هويدا، تقدر أعداد النازحين بأكثر من ضعف سكان الولاية قبل الحرب، وقالت لـأفق جديد، إن هذا الوضع أدى لارتفاع أسعار العقارات من المساكن والمحال تجارية وتسبب هذا بدوره في ارتفاع الأسعار.
وأضافت المعارك المستمرة في ولايات الغرب وخاصة ولاية شمال دارفور، أثرت على أعداد الثروة الحيوانية مما انعكس ذلك على ارتفاع أسعار منتجاتها خاصة اللحوم والألبان.
ونوهت هويدا، إلى أن التغير المناخي أثر على الإنتاج الزراعي خاصة المحصولات الشتوية، وكان له الأثر الأكبر في إنتاجية التمور وهو محصول رئيسي تنتجه الولاية، وتعتمد غالبية الأسر في اقتصادها عليه، إلى جانب أن السيول والأمطار التي ضربت الولاية هذا العام كان لها أثر على المخزون الاستراتيجي للسلع، كما نجد أن مسألة ارتفاع أسعار المحروقات والسماد والتقاوي أدت لارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي وتأثرت أسعار السلع بذلك.
وأشارت هويدا، إلى أن توقف الإنتاج الصناعي بالولايات المتأثرة بالحرب، جعل أغلب السلع الموجودة بالأسواق مستوردة، إضافة إلى أن بعض السلع المحلية صارت تصنع خارج السودان، ويعاد توريدها إلى أسواق المحلية، مع وجود زيادات في أسعارها.
أسباب أخرى
ويرى الخبير الاقتصادي كمال أحمد يوسف، أن أسباب ارتفاع الأسعار بأسواق الولاية الشمالية، تعود للحرب وما أحدثته من نزوح وارتفاع سعر الإيجارات والسكن، ما يعني توفر نقود في أيدي أصحاب البيوت والشقق وهذا أدى لارتفاع الأسعار عمومًا.
وقال يوسف لـأفق جديد، إن النزوح بعد أحداث الجزيرة صار متزايد، لاعتبار أن الولاية الشمالية بوابة مصر ما يعني زيادة الطلب عن العرض المحدود للسلع والخدمات، وانعكاسها على ارتفاع الأسعار.
موضحًا أن انخفاض الإنتاج الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي وارتفاع تكاليف الوقود، والاعتماد على الزراعة التقليدية المكلفة جدًا، تعد سببًا لزيادة الأسعار، كذلك عدم وصول السلع من الولايات التي يحتلها الدعم السريع أو يهدد وصول السلع منها.
وأضاف ضعف العملة السودانية مقابل العملة الأجنبية، وعدم وجود الرقابة في الأسواق، ثم تفشي ظاهرة الاحتكار، وكلها من أسباب ارتفاع الأسعار بالأسواق.
واعتبر كمال، أن طباعة عملة جديدة وطرحها في السوق دون سحب العملة القديمة، يؤدي لعرض كبير للنقود مع انخفاض في السلع والخدمات الموجودة بالأسواق، بمعنى أن زيادة عرض العملة مع سلع وخدمات قليلة، يزيد سعرها وهذا يُعد سببًا رئيسًا لارتفاع الأسعار.
ودعا كمال، إلى توقف الحرب وتشجيع الانتاج وتخفيض الجمارك على السلع المستوردة من مصر مع تشديد الرقابة على الأسواق.
ارتفاع سعر الدولار
واعتبر الأمين العام لاتحاد اصحاب العمل السوداني بالولاية الشمالية، عبدالله يوسف، أن ارتفاع الدولار سببا رئيسا في غلاء الاسعار بالأسواق، وقال عبدالله لـأفق جديد، إن الأموال المنهوبة والمسروقة أثناء الحرب من قبل المرتزقة ومليشيا الدعم السريع ، ثم قيامهم بشراء الدولار بأي سعر، وأدى ذلك لارتفاع سعر الدولار وتراجع قيمة العملة المحلية، وقفز سعر الدولار من حدود 470 إلى أكثر من 2500 جنيه خلال الفترة الماضية.
وأضاف الغرفة التجارية بالولاية الشمالية تفرض جبايات ورسوم بطريقة عشوائية في كل محلية على حد قوله، وذكر أن الغرفة ليست لها أي شرعية في تحصيل الرسوم لأنها غرفة تسييرية.
موضحًا أن هناك زيادات في الجمارك وانعكاسها المباشر على أسعار السلع بالأسواق، وتابع كذلك نجد أن ارتفاع اسعار المحروقات والجازولين بنحو 1000%، له أثر على تكلفة نقل وترحيل البضائع، وأن هذه الأسباب تنعكس مباشرة على أسعار البضائع والمنتجات بالأسواق .
جولة ميدانية
وأظهرت جولة أفق جديد داخل سوق دنقلا، ارتفاع للأسعار عمومًا، وتباينها من متجر إلى آخر رغم وفرة البضائع والمنتجات، بفروقات ما بين 500 ، 1000، 2000 جنيه، وأن أغلب حركتي البيع والشراء يستخدم فيها التطبيقات البنكية، ومن لديه سيولة نقدية كثيرة يتحمل عبء حمل النقود في حقائب أو أكياس نتيجة تضخم المبالغ، خاصة من فئتي المائة أو المائتين جنيه، وأن تغيير العملة وغياب فئة الخمسمائة جنيه ،عاد ألق التداول لفئتي الـ 100 والـ200 جنيه، وكذلك نجد أن صرف مبلغ 50 إلى 200 ألف جنيه لشراء احتياجات أساسية كخضروات ودقيق وزيت وسكر وشاي وصابون، لا يثير الاندهاش في سوق دنقلا .
ويلاحظ أن هناك تغيرا واضحا على معالم السوق سببه نازحي الحرب، وذلك بظهور العديد من محال الجديدة التي أحدثت اضافات للسوق، مثال على ذلك محلات الكافتيريا والمطاعم والحلويات، البقالات، المجوهرات، محال الموبايلات والأجهزة الكهربائية والأواني المنزلية، والملبوسات والأحذية والعطور والكريمات والأقمشة، وبعض المحال القديمة أجريت لها صيانة وتحديث، عمومًا شكل النازحون تغيرًا واضحًا بسوق دنقلا ، والكثير منهم صار يعمل به أو زبائن له
كما ارتفعت مؤخرًا أسعار الخبز وصارت قطعة الخبز تباع للمواطن بـ 200 جنيه، بينما جاءت أسعار أبرز السلع الغذائية والاستهلاكية على مستوى البيع والشراء بالجملة والقطاعي في حدود، السكر (الجوال زنة 50 كيلو سعره ما بين 115 120 ألف جنيه) والجوال زنة 10 كيلو ما بين (24- 26 ألف جنيه)، الجوال زنة 5 كيلو يباع في حدود ( 12.5- 14 ألف جنيه)، أما الزيوت زيت الفول العبوة الكبيرة ( زنة 36 رطلًا سعرها 115 ألف جنيه، العبوة زنة 18 رطلا 60 الف جنيه )، وزيت الطبخ ( عبوة 36 رطلًا سعرها 80 ألف جنيه)، وعبوة 4 لتر( ما بين 18 -20 ألف جنيه)، أما العبوة الصغيرة (واحد لتر تباع بـ 6 ألف جنيه)، ثم لبن البدرة ظل سعره متصاعدًا حتى بلغ 16 ألف جنيه للكيلو )، وفي المقابل نجد أن الشاي أسعاره متفاوتة ما بين (4.6.8 ألف جنيه)، الأرز ( الكيلو 4 ألف)، العدس (الكيلو 4 ألف) ، البن (8 ألف جنيه للرطل )، الصلصة ( العلبة 3 ألف الف جنيه)، أما الصابون توجد أنواع كثيرة محلية ومستوردة، عمومًا صابون الغسيل القطعة ما بين (700 إلى 1000 ألف جنيه).
بيع التجزئة
ويعتمد المواطنون بشكل أساسي على دقيق القمح ويباع بالقيراط وهو ما يعادل وزن الربع (دقيق القمح 16 ألف جنيه)، وأيضًا الفول المصري سعر القيراط (30 – 34 ألف جنيه)، وفيما يخص الدقيق المستورد بلغ سعر (الجوال 25 كيلو 45 ألف جنيه)، أما سعر كرتونة الشعيرية أو المكرونة أسعارها ما بين ( 15 – إلى 20 ألف جنيه)، ويبلغ سعر الكيس الواحد ألف جنيه .
وفي المقابل نجد أن الخضروات ظلت أسعارها في حالة ارتفاع وانخفاض بحسب الوفرة والمواسم، وحاليًا يشهد السوق انخفاض ملحوظ في أسعار الخضروات، وانخفضت الطماطم من 12 إلف جنيه إلى ألفي جنيه)، وكذلك قيراط البصل من ( 8 إلى 4 ألف جنيه)، والبطاطس من (5 ألف جنيه إلى 3 ألف جنيه)، البامية (3 ألف جنيه)،الباذنجان الكيلو الف جنيه)، الخضروات الورقية مثل الرجلة والخضرة تباع (بالحزمة بسعر ألفي جنيه)، العجور القطعة الواحدة (ألفي جنيه) كيلو الخيار (5 ألف جنيه )، الجرجير (الحزمة 1000 جنيه).
وتشهد ارتفاع اسعار الليمون وتباع القطعة بـ(300 جنيه)، وفيما يتعلق بأسعار اللحوم الحمراء والبيضاء ظلت في زيادات متتالية يباع كيلو اللحمة بسعر 16- 18 – 20 ألف جنيه)، وكيلو الفراخ 15 ألف جنيه)، طبق البيض (20 ألف جنيه)، كيلو الجبنة البيضاء (20 ألف جنيه)، كيلو الزبادي (4 – 5 ألف جنيه).
وفيما يخص الفواكه يتوفر حاليًا عرض كبير البرتقال، سعر الدستة (2000 إلى 2500 جنيه )، لكن بقية الفواكه أسعارها متذبذبة ما بين الارتفاع والانخفاض، كيلو الموز (2000 – 2500 جنيه)، التفاح الدستة (10 ألف جنيه)، أما التفاحة الواحدة 1000 جنيه)، الرومان يباع بالقطعة (2000جنيه)، وصندوق العنب الصغير (3 ألف جنيه).