مستقبل الإسلام السياسي في السودان: بين التمسك بالحرب وفقدان النفوذ
حاتم أيوب أبو الحسن
لطالما سعى الإسلام السياسي في السودان، منذ أربعينيات القرن الماضي، إلى التغلغل في المجتمع عبر التحالفات السياسية والدينية بهدف الوصول إلى السلطة بأي وسيلة ممكنة. وقد تُوِّج هذا السعي بانقلاب عسكري في عام 1989، مكّن الإسلاميين من السيطرة على الحكم لأكثر من ربع قرن. خلال تلك الفترة، فرضوا هيمنتهم على الاقتصاد والمجتمع والدين، مما أدى إلى تشكّل دولة عُرفت بالفساد والإرهاب وسفك الدماء، حتى صُنّف نظامهم ضمن أكثر الأيديولوجيات دموية بعد تنظيم “داعش”.
انهيار الدولة الإسلامية في السودان
اعتمد الإسلاميون خطابًا دينيًا لتبرير حروبهم، مما أدى إلى تقسيم السودان إلى دولتين، وتعزيز النزعات القبلية والجهوية، فضلًا عن بناء أجهزة قمعية مثل بيوت الأشباح، حيث مارسوا الترهيب والاستبداد لضمان بقائهم في السلطة. لكنهم واجهوا انتفاضة شعبية قوية في سبتمبر 2018، أكدت رفض السودانيين لاستمرار حكمهم.
بعد سقوط نظامهم، أشعلوا الحرب انتقامًا من الشعب، مما تسبب في موجات نزوح جماعي، وانتشار الجوع، ونهب الممتلكات، والاعتقالات، والتصفية الجسدية. لقد كان الثمن الذي دفعه السودانيون باهظًا، غير مسبوق في تاريخ البلاد.
هل للإسلام السياسي مستقبل في السودان؟
رغم تمسك الإسلاميين بالحرب كوسيلة للعودة إلى السلطة، إلا أن الواقع يشير إلى ضعفهم المتزايد. فالتنظيم أصبح أكثر هشاشة نتيجة الحرب المستعرة، وخسر الإسلاميون مفاصل الاقتصاد الاستراتيجي، إلى جانب تآكل قاعدتهم الشعبية. كما أن الميليشيات التي اعتمدوا عليها لضمان استمرار سلطتهم تمردت عليهم.
على الصعيد الإقليمي والدولي، لم يعد هناك دعم يُذكر لعودة الإسلاميين إلى الحكم في السودان، خاصة من دول الجوار التي باتت ترفض تكرار التجربة. ومع ذلك، يواصل الإسلاميون محاولاتهم للتمسك بسلطة الأمر الواقع في بورتسودان، ويسعون لتقسيم البلاد مجددًا عبر الترويج لخطاب ديني ضد العلمانية.
نحو مستقبل مختلف
اليوم، تقف البلاد على مفترق طرق. فمع استمرار الحرب، يزداد الضغط الدولي والإقليمي لإنهاء الصراع عبر حلول تضمن استقرار السودان، دون السماح لأي من الطرفين المتحاربين بالهيمنة. كما أن هناك جهودًا متسارعة لاستكمال التحول المدني الديمقراطي، ودمج الجيوش، وبناء مؤسسات فيدرالية تضمن السلام والتنمية.
إن استمرار تعنت الإسلاميين وعرقلتهم لأي تسوية قد يؤدي إلى نقل الصراع إلى مناطق أخرى في الشمال. لكن المؤشرات الحالية تدل على أن الإسلام السياسي في السودان يواجه مستقبلاً غامضًا، حيث تضاءلت فرصه في العودة إلى السلطة وسط إجماع محلي وإقليمي على ضرورة المضي قدمًا نحو نظام ديمقراطي أكثر شمولًا.