الحكومات غير الشرعية.. معايير القبول والرفض
سمير شيخ إدريس المحامي
لم تعد شرعية أنظمة الحكم حكرًا على القوى المناهضة للنظام غير الشرعي الذي يستولي على الحكم داخل الدولة المعينة، بل تعدى الأمر الحدود المحلية نحو آفاق المحيط الدولي، فوفقًا للمواثيق والأعراف الدولية وما تمخض عنها من مؤسسات وقوانين ملزمة تدرج تحت وثائق الأمم المتحدة ومقررات مجلس الأمن كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966 مضافًا إليها القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي 2000 والميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004 وغيرها من المواثيق المتعددة، أصبح بالضرورة للدول الالتزام بمراعاة المبادئ العامة للحريات وحقوق الإنسان التي أحدثت طفرة في مسألة الشرعية لأنظمة الحكم باعتبارها أحد الاشتراطات الأساسية في الاعتراف بالدولة وقبولها كفرد في المنظومة الإقليمية والدولية التي توجب الالتزام بمبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات من قبل أي دولة مما يتيح لها براحًا من القدرة على ممارسة دورها كنظام فاعل على المستويين المحلي والدولي.
على ضوء ذلك نظمت عديد القوانين والمعاهدات والاتفاقات قضية الشرعية بالنسبة لحكومات الدول وأنظمتها السياسية التي تصعد على قمة السلطة في دول العالم التي تعد بالضرورة جزءًا من الكتلة الدولية وترتبط بالتزامات عضويتها أو توقيعها على تلك الاتفاقيات التي حددت الاشتراطات الأساسية للحصول على السلطة والممارسة السياسية وفقا لتلك الضوابط التي ما أن تخلفت أدى ذلك بالضرورة إلى زوال تلك الشرعية والاعتراف بالنظام السياسي في الدولة المعينة.
تعد الديمقراطية بمثابة حجر الزاوية الذي انبنت عليه نصوص القوانين والمعاهدات الدولية لإصباغ صفة الشرعية على نظام الحكم بما أوصت به موادها المختلفة من معايير، غير أن الأمر لا يمكن أخذه على إطلاقه كمجرد مواد يقاس بمدى توافقها مع الحالة السياسية للنظام حتى يحوز الشرعية، فالمعضلة الأساسية حول الأمر هنا تتمثل في الممارسة العملية من القوى الدولية على ضوء التطورات المعاصرة في العالم، حيث تفاوتت تلك الممارسات وفقًا لمصالح تلك القوى مع أنظمة الحكم بحيث أصبح معيار الشرعية مرتبطًا بالمواقف الدولية بعدًا وقربًا من تعميد شرعية النظام السياسي المحدد.
على الصعيد المحلي تحرص الدول على النص في دساتيرها على وصف معايير النظام الشرعي للدولة بحيث تعد المخالفة للدستور على ضوء تلك المعايير يكفي لنزع الشرعية عن النظام المنقلب على الدستور، لذلك فإن أول ما يحويه بيان تلك الأنظمة غير الشرعية هو تعديل الدستور بما يتواءم مع طبيعة النظام الانقلابي ومحاولة يائسة منه لإصباغ صفة الشرعية، وبالتالي يستتبع ذلك بالضرورة ما تقوم به بعض الدول من الاعتراف بتلك الأنظمة الخارجة عن الدستور والقوانين الدولية وفقا للمصلحة، بل أن بعض تلك الدول التي تنتمي للقوى الدولية العظمى مصدر حماية للدول غير الشرعية بما توفره لها من اعتراف وممارسة حقها في الاعتراض على ما قد يصدر من أوامر في مواجهة الدولة غير الشرعية، على الرغم مما تجده تلك الدول من معارضة شعوبها لتلك الممارسات في الاعتراف وتأييد ممارسات أنظمة الحكم غير الشرعية وهو الأمر الذي أدى في بعض الأحيان للتأثير على أنظمة حكم تلك الدول الكبرى التي ترتبط بشكل وثيق في تنسمها للسلطة بمدى ممارساتها للديمقراطية وحقوق الإنسان على المستوى المحلي وعلى مستوى التعاون مع الدول الخارجية المنتهكة للمبادئ المتعلقة بتلك المعايير التي بالتالي تخرجها عن زمرة الأنظمة الشرعية.
قد تفرض الدولة غير الشرعية باعتلائها السلطة بالمخالفة للدستور والقوانين الدولية، قد تفرض نفسها كسلطة أمر واقع وتمضي في ممارساتها كأنها سلطة شرعية، وخير مثال لذلك حالة الدولة السودانية التي انتزع النظام الحاكم حاليًا للسلطة في انقلاب العسكر على الحكومة المدنية في أكتوبر 2021 بالمخالفة للوثيقة الدستورية الحاكمة آنذاك وللقوانين الدولية والمحلية، ونرى الأسرة الدولية خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك لم تعترف بالبرهان كرئيس لمجلس سيادة الدولة بسبب انقلابه على الحكومة المدنية في أكتوبر 2021 بل مثّل باعتباره قائدًا للجيش، كما قام الاتحاد الأفريقي بتجميد عضوية السودان عقب الانقلاب استنادًا على دستور الاتحاد في المادة (٣٠) التي تنص على منع الحكومات التي تصل للسلطة بوسائل غير شرعية بالمشاركة في أنشطة الاتحاد، غير أن الممارسة الواقعية مع هذه السلطة الانقلابية أخذت في التغير تدريجيًا من قبل بعض الدول والمنظمات التي ما برحت تنشط في التعاون مع السلطة الانقلابية وفقًا لارتباطات المصالح واختلال النظرة للمعايير القانونية الدولية
المرتبطة باكتساب الشرعية لأنظمة الدول غير الشرعية.