حرب المسيرات تشتعل في سماء السودان.. تكتيكات جديدة وكارثة إنسانية متفاقمة

 

أفق جديد

شهدت الأشهر الأخيرة، وتحديداً خلال أبريل ومايو 2025، تصعيداً لافتاً في استخدام الطائرات المسيرة (الدرونز) ضمن النزاع الدائر في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. لم تعد هذه الطائرات مجرد أداة استطلاع، بل تحولت إلى عنصر حاسم يعيد تشكيل ديناميكيات الحرب، خاصة مع التغيرات الميدانية التي شهدها الصراع مؤخراً. فكيف أثر هذا التحول التكنولوجي على استراتيجيات الأطراف المتحاربة، وما هو الثمن الذي يدفعه المدنيون؟

 

كيف غيرت المسيرات استراتيجية قوات الدعم السريع بعد خسائرها الميدانية؟

بعد سلسلة من الهزائم الميدانية التي منيت بها قوات الدعم السريع في مناطق استراتيجية كالخرطوم وولايات وسط السودان كالجزيرة وسنار والنيل الأبيض، لجأت هذه القوات بشكل متزايد إلى استخدام الطائرات المسيرة. يبدو أن هذا التحول يمثل استراتيجية لتعويض الخسائر على الأرض ومحاولة خلق حالة من الاضطراب الأمني وإضعاف البنية التحتية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش. لم تقتصر الأهداف على المواقع العسكرية، بل امتدت لتشمل منشآت حيوية مدنية، مثل محطة كهرباء عطبرة ومستودع وقود في أبريل 2025، مما أدى لانقطاع الكهرباء عن مدينتي عطبرة والدامر. كما تعرض سد مروي ومحطة كهرباء مروي لهجمات متكررة، مما عطل جزئياً إنتاج الكهرباء، واستمر تأثير الهجمات السابقة على محطة كهرباء الشوك بالقضارف. وصفت مصادر عسكرية هذه الهجمات بأنها تكتيك جديد يهدف إلى استنزاف الجيش معنوياً ومادياً وإطالة أمد الحرب عبر الاعتماد على تكنولوجيا منخفضة التكلفة نسبياً.

ما الدور الذي لعبته المسيرات الأجنبية والتدريب الخارجي في تعزيز قدرات الجيش السوداني؟

في المقابل، اعتمد الجيش السوداني بشكل كبير على تفوقه الجوي، بما في ذلك استخدام المسيرات، لمحاولة حسم المعارك ضد قوات الدعم السريع. ساهم هذا الاعتماد في استعادة السيطرة على مواقع هامة مثل الخرطوم والقصر الجمهوري في مارس 2025. وتشير التقارير إلى دور بارز للمسيرات الإيرانية، وتحديداً طراز “مهاجر-6″، التي يُعتقد أنها ساهمت في استعادة السيطرة على مقر وكالة الإعلام الحكومية ومصفاة الجيلي للنفط. بالإضافة إلى ذلك، تتردد أنباء عن تلقي الجيش تدريباً من قوات خاصة أوكرانية على تشغيل المسيرات الانتحارية، مما قد يكون عزز خبرته في هذا النوع من الحروب وجعله من بين الأكثر خبرة في المنطقة. وتجلت قدرات الجيش الدفاعية في إعلانه إسقاط 20 مسيرة تابعة لقوات الدعم السريع في الفاشر خلال يومين فقط في أبريل 2025.

من يزود الأطراف المتحاربة بالمسيرات، وكيف تحول الصراع إلى حرب بالوكالة؟

لا يمكن فهم ديناميكيات حرب المسيرات في السودان دون النظر إلى البعد الإقليمي والدولي. تشير مزاعم وتقارير إلى تلقي قوات الدعم السريع دعماً كبيراً، بما في ذلك مسيرات وأسلحة، عبر مطارات في دول مجاورة مثل تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، مع ذكر طرازات مثل الصينية والإيرانية أبابيل-3 والتركية بيرقدار. في المقابل، يُعتقد أن الجيش السوداني يتلقى دعماً بالمسيرات والطائرات المقاتلة من إيران وروسيا. هذا الدعم الخارجي المتبادل يحول الصراع السوداني بشكل متزايد إلى ساحة لحرب بالوكالة، حيث تسعى القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحها.

ما الثمن الإنساني الباهظ لحرب المسيرات في السودان؟

بعيداً عن الحسابات العسكرية والاستراتيجية، يدفع المدنيون السودانيون ثمناً باهظاً لهذا التصعيد. أدت هجمات المسيرات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المتدهورة أصلاً، حيث تسبب استهداف البنية التحتية الحيوية، كمحطات الكهرباء والسدود، في انقطاع الخدمات الأساسية عن مئات الآلاف من السكان والنازحين، مما زاد من معاناتهم. ولم يسلم المدنيون من الاستهداف المباشر، حيث سُجلت انتهاكات خطيرة، كهجوم يناير 2025 على مستشفى تعليمي سعودي في الفاشر والذي أسفر عن مقتل 70 شخصاً، والهجوم على إفطار رمضاني في عطبرة في أبريل 2024 والذي أودى بحياة 12 شخصاً. يعتبر استهداف البنية التحتية المدنية جريمة حرب وفقاً للقانون الدولي، وقد أثارت هذه الهجمات انتقادات واسعة من منظمات حقوقية ونشطاء.

هل يمكن للمسيرات حسم الصراع، وما هي التحديات العسكرية المستقبلية؟

يرى خبراء عسكريون أن استخدام قوات الدعم السريع المكثف للمسيرات يمثل تحدياً جديداً يتطلب منظومات دفاع جوي فعالة لدى الجيش، الذي يواجه صعوبات في التصدي لجميع الهجمات رغم نجاحه في إسقاط بعضها. وبينما يتفق الكثيرون على أن المسيرات وحدها لا يمكنها حسم الحروب، وأن القوات البرية تظل العامل الحاسم، إلا أنها بلا شك أضافت بعداً تقنياً وتكتيكياً معقداً للصراع. ومع استمرار تدفق الدعم الخارجي بالأسلحة والتقنيات لكلا الطرفين، يُتوقع أن تتطور تقنيات المسيرات المستخدمة، مما ينذر بتصعيد إضافي في المستقبل. وفي ظل فشل المبادرات السياسية، كجهود تحالف “صمود”، في تحقيق وقف لإطلاق النار، تزداد المخاوف الإقليمية من اتساع رقعة النزاع وتداعياته على دول الجوار.

أصبحت الطائرات المسيرة لاعباً مركزياً في الحرب السودانية، تستخدمها قوات الدعم السريع لضرب البنية التحتية وتعويض خسائرها، بينما يعتمد عليها الجيش لتعزيز تفوقه الجوي. هذا التحول التكنولوجي يعمق الأزمة الإنسانية ويجعل الحل السياسي أكثر صعوبة، مما يستدعي تحركاً دولياً عاجلاً لوقف دوامة العنف واحتواء الصراع قبل فوات الأوان.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى