أطفال السودان… اللعب بالبنادق

أطفال السودان… اللعب بالبنادق

وسيلة حسين

يجمع الطفل “مرتضى”، وهو طفل نازح إلى منطقة كرري في العاشرة من عمره، نتفًا صغيرة من خردة الحديد ومواسير مربعة وأخرى أسطوانية وترباسًا قديمًا. يمضي، رفقة اثنين من أصدقائه الصغار يحملان البنادق على كتفيهما، صوب ورشة الحدادة. يضع الأطفال الثلاثة ما جمعوه من حديد قديم أمام صاحب الورشة. يتفاوضون سريعًا حول سعر صناعة بندقية أخرى لمرتضى.

 بعد يومين من العمل تستوي خردة الحديد والمواسير بندقية كاملة، لا ينقصها سوى دهانٌ أسود والتعبئة المتخيلة بالرصاص. تتهلل أسارير الطفل مرتضى. يضع بندقيته الجديدة على كتفه وقد تبدلت ملامحه الصغيرة إلى الجدية والجندية. يذهب هو ورفاقه  منتظمين في طابور سير عسكري تقليدي إلى اللعب في الساحة المجاورة، وبين أزقة وطرقات الحي المهجور منذ بداية الحرب.

يتمرد مرتضي وأصدقاؤه، كل صباح، على الذهاب للمدرسة التي فتحت أبوابها مؤخرًا بعد عامين من انقطاعهم عن التعليم، في غياب برامج ترفيهية وأكاديمية جاذبة. يفضل هؤلاء الأطفال صناعة وبيع البنادق في ما بينهم ولعب دور المقاتلين في معارك يخوضونها طوال النهار بلا كلل.

يتراوح سعر البندقية بين 5 إلى 15 جنيهًا

بدوره يثبت “حبيب الله”، 13 عامًا، ماسورة أسطوانية، بزاوية إمالة محددة، على الأرض، يرمي في جوف الماسورة كريستالة محشوة بالتراب، ومن ثم يسحبها بحبل، في سرعة ومهارة، نحو الأعلى، فتنطلق من فوهتها قذيفة مدوية في الفضاء. صنع لنفسه “مدفع هاون” يرمي به الأطفال الذين يردون بالبنادق الرشاشة وهم يتصايحون.

التحق شقيقه الأكبر، الذي لم يكمل 16 عامًا وانقطع تعليمه بداية المرحلة الثانوية، بالجيش مستنفرًا، وخاض، في زهو وبطولة، بين أقرانه، معركة تحرير القصر في الخرطوم. حول حبيب الله، مستلهمًا جندية وبطولة شقيقه الأكبر، البيت لثكنة عسكرية. يجمع فارغ الرصاص ومخلفات الحرب في صندوق كبير، يضع البنادق ومدفع الهاون في الساحة الخلفية للبيت بعيدًا عن مرأى ورقابة والدته.

“تعبتُ منه”

تخبر والدة الطفل “حبيب الله” أنها يئست من تجريده من الأسلحة واللعب بأدوات الحرب وإبقائه في المدرسة. وتضيف في حديث إلى “أفق جديد”: “الولد الكبير استنفر في الجيش دون مشورتي، والولد الصغير مهووس بصناعة السلاح والتسرب من الدراسة. حاولتُ المستحيل لكن من دون فائدة مرجوة، فكل الأولاد في الحي يصنعون ويلعبون بالبنادق”.

تنذر منظمة الطفولة العالمية “يونيسف”، أنه مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث، تضاعف عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية؛ من 7.8 مليون طفل في بداية عام 2023 إلى أكثر من 15 مليون طفل الآن.

وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل، في 15 أبريل: “عامان من العنف والتهجير قد دمّرا حياة ملايين الأطفال في جميع أنحاء السودان”.

وتحذر المنظمة من أنه ما لم تتّخذ إجراءات عاجلة، قد تزداد حدّة الأزمة الإنسانية المروّعة في السودان فتصبح كارثة أكبر. “إنّ عنف أطراف الصراع ضد الأطفال والجوع والأمراض كلّها في تزايد. ولا يزال التهجير يستمر في تعطيل الحياة، والوصول الإغاثي الإنساني إلى الأسر يتقلص”.

في الأيام الأولى للحرب قال القائد ياسر العطا في خطاب أمام حشد من جنود الجيش: “سنجند حتى الأطفال”.

تخبر سكينة عمر أن سياق الحياة برمته تغير وأحاطت الحرب بالأطفال من كل اتجاه وأصبحت المؤثرات جميعها مستمدة من بيئة العنف والقتال. “خطاب الحرب وتجييش المجتمع وما يشاهده الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي يضطرهم لتقليد الكبار”. وتقول أستاذة علم النفس في حديث مع “أفق جديد”: “قدرة الأطفال على التكيف عالية، لذا يحاولون صناعة أدوات ألعابهم بمواد حربية، شديدة العنف، وتعجز الأسر عن السيطرة عليهم بصورة كلية، سيما أن الحرب نفسها غير محدودة ولن يقدر أحد على حجب الأطفال عن الانفعال اليومي بها أو الحد من أن يتشكل وعي الحرب لدى الأطفال بطريقة مستمرة، تشوه الواقع والمستقبل معًا”.

وتتساءل عمر: ” كيف نستطيع توجيه خيال الأطفال، في زمن الحرب، لينتج فعلًا إيجابيًا متصلًا بالحياة الواسعة بألوانها العديدة من جديد؟”.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى