حين يكون الواتساب وطنا .. حكاية حب سودانية معلقة بسبب حظر ترامب

أفق جديد
كانت كل الترتيبات جاهزة: الدعوات أُرسلت، والخواتم اشتراها العريس، والرحلات حُجزت بدقة. محمد عبده، اللاجئ السوداني والمقيم في ولاية فرجينيا الأمريكية، كان على وشك أن يحقق حلمه بزواج تقليدي من خطيبته، هناء عبد العزيز، في حفل زفاف سوداني في قلب القاهرة.
لكن الحلم لم يكتمل
الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والقاضي بمنع دخول مواطني السودان و11 دولة أخرى إلى الولايات المتحدة، جاء كضربة قاسية أطاحت بكل الخطط. القرار المفاجئ جعل من المستحيل تقريبًا أن تسافر هناء عبد العزيز إلى الولايات المتحدة مع زوجها المستقبلي. ومع تضاؤل الخيارات القانونية وتأجيل حفل الزفاف إلى أجل غير مسمى، وجد العروسان نفسيهما في واقعٍ قاسٍ تتلاعب به السياسة وتكبحه الحدود.
تبدأ حكاية محمد عبده، 44 عامًا، وهناء عبد العزيز، 34 عامًا بحسب مانشرتها صحيفة (واشنطن بوست)، على ضفتي المحيط الأطلسي، في أعقاب فوضى الحرب التي مزقت السودان. هو من دارفور، حيث عاش طفولته في الفاشر، المدينة التي شهدت واحدة من أسوأ جرائم الإبادة الجماعية في العالم. فرّ من العنف الذي أودى بحياة مئات الآلاف، وتمكّن من الوصول إلى الولايات المتحدة، حيث أعاد بناء حياته من الصفر.
أما هي، فقد غادرت أم درمان هربًا من قصف واشتباكات، واستقرت لاجئة في مصر، حيث كانت تحاول أن تبدأ من جديد. جمعت بينهما مكالمات عبر تطبيق واتساب، سرعان ما تحولت من مجاملات بسيطة إلى أحاديث مطوّلة عن الوطن، عن الفقد، وعن الحلم بالحياة في بيئة أكثر أمانًا.

“كانت العلاقة بيننا طبيعية، ولكن سحرية”، يقول عبده. “كأننا نعرف بعضنا منذ زمن طويل”.
كانا يتحدثان يوميًا، يتشاركان في الطموحات، ويحلّلان الأخبار، ويتخيلان الحياة معًا في بيت صغير في ضواحي واشنطن، برفقة طفلين قرّرا بالفعل تسميتهما: نورا وأحمد.
عندما قررا الارتباط رسميًا، لم يكن الأمر مجرد خطوة عاطفية، بل مشروع حياة بُني على الأمل والتخطيط بعناية. أرسل عبده خاتم الخطوبة بالبريد إلى القاهرة، واحتفلت الأسرتان بالخطبة، بانتظار أن تُكلل برؤية مشتركة تحت سقف واحد.
لكن إدارة ترامب أغلقت الأبواب، حرفيًا. وبررت قرار الحظر بأن السودان يفتقر إلى آليات تفتيش موثوقة، ولا توجد “سلطة مركزية متعاونة” في إصدار الجوازات.
رغم أن عبده، المقيم الشرعي في الولايات المتحدة، لا يشمله الحظر، فإن هناء عبد العزيز – كلاجئة – لم يعد مسموحًا لها بالانضمام إليه. والأسوأ، أن خروجه من البلاد للزفاف كان سيعرّضه لخطر عدم العودة، في حال طرأت تغييرات أخرى على سياسات الهجرة.
“نشعر كأننا محاصران”، تقول هناء عبد العزيز، “خُططنا لمستقبل، لكن القرارات السياسية أعادتنا إلى نقطة الصفر”.
الحب في زمن الحظر
يتنقل عبده يوميًا إلى مطار دالاس، حيث يعمل مهندسًا في نظام القطارات الداخلية. لكنه لا يسافر جوًا. كل الطرق مغلقة ما عدا طريق واتساب، حيث لا يزالان يتبادلان الرسائل والآمال والدعوات.
في عيد الأضحى، ساهم عبده في تنظيم احتفال للجالية السودانية في شمال فرجينيا. طاولات مزيّنة بالخبز والحلوى، موسيقى تقليدية، وضحكات الأطفال. لكن في قلبه، فراغ لا يملؤه الحشد.
“كل شيء كان جميلًا… إلا أنها لم تكن هنا”، قال وهو ينظر إلى هاتفه.

بين المنفى والانتظار
تعيش هناء عبد العزيز في القاهرة في ظروف صعبة، مثل آلاف اللاجئين السودانيين، وسط فرص عمل محدودة ومخاوف دائمة من الترحيل أو التهميش. لكنها ترفض فكرة التخلي. تقول: “لم أسعَ إلى أمريكا من أجل سياحة أو دراسة، بل من أجل الحب، من أجل أن أعيش حياة كريمة مع إنسان أحببته”.
تدرس مع خطيبها الخيارات المتبقية: تقديم كفالة إنسانية، اللجوء إلى دولة ثالثة، أو ببساطة الانتظار. لكن الزمن لا ينتظر.
“نأمل أن يجمعنا الله في ساعة خير”، كتب لها عبده مؤخرًا.
“وإن شاء الله نعيش سوا، روحًا بروح”، ردّت عليه، تتمنى وتبكي وتنتظر.